كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 3)

(إني أشتهي أن أسمعه من غيري) في الرواية الثانية: "إني أحب أن أسمعه من غيري". والمراد واحد.
(فقرأت سورة النساء) أي من أولها كما جاء في الرواية الثانية.
(وهو على المنبر) في جلسة عادية وليس لخطبة الجمعة أو غيرها، بل كان صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على المنبر ليكون بارزًا للناس، وليعلمه الداخل الذي لا يعرفه.
(كنت بحمص) بلدة مشهورة في بلاد الشام، دخلها ابن مسعود غازيًا في خلافة عمر بن الخطاب، ولم يكن واليًا عليها في يوم من الأيام، "وحمص" علم مؤنث ساكن الوسط يجوز فيه الصرف والمنع من الصرف.
(فقال رجل من القوم) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، وقد قيل: إنه نهيك بن سنان، لكن لم أر ذلك صريحًا. اهـ.
(ويحك): أي انزجر.
(فضربه الحد) قيل: إن الإسناد مجازي، أي رفع أمره للوالي وتسبب في ضربه الحد، وسيأتي مزيد له في فقه الحديث.

-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من مجموع الأحاديث: ]-
1 - استحباب استماع القرآن، فقالوا: ذلك أن المستمع أقوى على التدبر لأن نفسه أخلى وأنشط من القارئ، لأنه مشتغل بالقراءة وأحكامها، وقد قيل: إن القارئ كالحالب، والسامع كالشارب، وليس استحباب سماع القرآن خاصًا بمن لا يجيد القراءة، فرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحب أن يسمعه من غيره مع أنه خير القراء على الإطلاق. وقد اختلف العلماء في القراءة والسماع أيهما أفضل؟ والتحقيق أن الأفضلية تدور مع الخشية والتدبر ومدى الانتفاع من كل منهما، فمن كان تدبره وخشيته بالقراءة أكثر كانت القراءة في حقه أفضل، ومن كان تدبره وخشيته في السماع أكثر كان السماع في حقه أفضل، على أنه يستحب أن يأخذ بكل منهما ولو بطرف يسير.
2 - واستحباب الإصغاء للقراءة والخشوع عندها، وتدبر معانيها.
3 - واستحباب البكاء. قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين، قال تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون} [الإسراء: 109]. ويقول: {خروا سجدًا وبكيًا} [مريم: 58]. والأحاديث فيه كثيرة. وقال الغزالي: يستحب البكاء مع القراءة وعندها، وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد، والوثائق والعهود، ثم ينظر تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وإنه من أعظم المصائب.

الصفحة 614