لَاحِقُونَ" أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ بَقِيعَ الْغَرْقَدِ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ وَمُنَافِقُونَ، فَقَالَ: " إِنَّا -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- بِكُمْ لَاحِقُونَ" وَاسْتَثْنَى الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- يُسْلِمُونَ، فَيَلْحَقُونَ بِكُمْ، عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ تُسَوِّغُ إِبَاحَةَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَشُكَّ فِي كَوْنِهِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} 1 [الفتح:27] .
__________
1 قال العلماء في قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الله بكم لاحقون": في إتيانه بالاستثناء مع أن الموت لا شك فيه أقوال، أظهرها: أنه ليس للشك، وإنما هو للتبرك، وامتثال أمر الله فيه، قال أبو عمر بن عبد البر: الاستثناء قد يكون في الواجب لا شكّاً، كقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ} ، ولا يضاف الشك إلى الله. والثاني: أنه عادة المتكلم يحسن بها كلامه، والثالث: أنه عائد إلى اللحوق في هذا المكان، والموت بالمدينة، والرابع: أن "إن" بمعنى "إذا"، والخامس: أنه راجع إلى استصحاب الإيمان لمن معه، والسادس: أنه كان معه من يظن بهم النفاق، فعاد الاستثناء إليهم. وحكى ابن عبد البر أنه عائد إلى معنى "مؤمنين" أي: لاحقون في حال إيمان، لأن الفتنة لا يأمنها أحد، ألا ترى قول إبراهيم: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} وقول يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ، لأن نبينا يقول: "اللهم اقبضني إليك غير مفتون" انظر "شرح مسلم" للنووي 3/138، و "شرح الموطأ" للزرقاني 1/63، وشرح الباجي 1/69.
ذِكْرُ وَصْفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْقِيَامَةِ بِآثَارِ وُضُوئِهِمْ كَانَ فِي الدُّنْيَا
1047 - أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ عَنِ بن مَسْعُودٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ تَرَ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: "غر محجلون بلق من آثار الطهور" 2.
__________
2 إسناده حسن. وأخرجه ابن أبي شيبة 1/6 عن يزيد بن هارون، والطيالسي 1/49، وأحمد 1/403 عن عبد الصمد، وأحمد 1/451، 452 عن يزيد، و 453 عن عفان، وابن ماجة "284" في الطهارة: باب ثواب الطهور، من طريق هشام بن عبد الملك، كلهم عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وقد وضع في الأصل على العنوان والحديث خط رفيع، وكذا على الحديث الآتي وعنوانه.