كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 3)

__________
أبي عمران الفاسي رحمه الله قال رأيت لابن شعبان أنه قال ليس على أهل الجزائر حج واستدل بقوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالاً} [الحج: 27] الآية وذكر لي عن الشيخ أبي محمد عبد الصادق نحو ذلك وكان شيخنا أحمد بن محمد رزق يستدل على سقوط فرض الحج إذا كان السير إليه في البحر بما روي عن مالك أن أمر راكب البحر في الثلث ومن شرط الحج السبيل السابلة وليس مع الغرر أمن سبيل أخبرنا بذلك عنه صاحبنا محمد بن رشد رحمه الله انتهى. قال التادلي إثر نقله هذا الكلام: وقد يقال إنما جعل مالك أمره في الثلث إذا ركبه في حال ارتجاجه وركوبه في هذه الحالة حرام بالإجماع حكاه ابن معلى عن صاحب الإكمال وإما ركوبه في حال هدنته فهو محل النزاع وجواب مالك لم يتناوله وقد نص ابن بشير في النكاح الثاني على إلحاق راكب البحر بالمريض إذا ركبه في حال ارتجاجه فقيد الحالة التي يحكم فيها بأن أمر راكب البحر في ثلثه بحالة بحالة الارتجاج فاعلمه انتهى. وما قاله التادلي واضح لا شك فيه.
تنبيه: نقل التادلي عن القرافي ما نصه قال سند: قال مالك: لا يحج في البحر إلا مثل أهل الأندلس الذين لا يجدون البر وهذا يدل على أن من له مندوحة لا يجوز له أن يحج فيه انتهى. وهذا الذي نقله القرافي عن سند هو القول الثاني القائل بالكراهة المتقدم لكنه لم ينقل كلام القاضي سند جميعه ونصه وكره أن يحج أحد في البحر إلا مثل أهل الأندلس الذي لا يجد منه بدا انتهى. فتحصل من ذلك ثلاثة أقوال الأول المشهور وجوب الحج لمن تعين عليه بشروطه وجواز ذلك لمن لم يتعين عليه الثاني سقوط الحج عمن لا يمكنه الحج إلا من البحر الاثلث كراهة السفر فيه إلا لمن لا يجد طريقا سواه ودليل الأول قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] ويبعد أن يمن الله على عباده بما حظره عليهم ولم يبحه لهم وحديث أنس في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نام عند أم حرام ثم استيقظ وهو يضحك فقالت ما يضحكك يا رسول الله فقال "أناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة" الحديث وما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله" 1 ثم ذكر المصنف أنه يشترط في كون البحر طريقا إلى الحج أن لا يغلب العطب فيه وأن لا يؤدي إلى تضييع ركن من أركان الصلاة لأجل ميد أو ما أشبهه كزحام وضيق أما الشرط الأول وهو أن لا يغلب العطب فيه فظاهر لأن من شرط الاستطاعة الأمن على النفس والمال فإذا غلب العطب فيه حرم ركوبه قال في التوضيح: فيحرم ركوبه إذا عرض الخوف على النفس أو الدين وقاله ابن عبد السلام وقد تقدم عن صاحب الإكمال حكاية
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب 9. الدارمي في كتاب الجهاد باب 28.

الصفحة 476