كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 3)

__________
طاعة الله بالجهاد وليحصل له المال من الغنيمة فهذا لايضره ولا يحرم عليه بالإجماع لأن الله جعل له هذا في هذه العبادة ففرق بين جهاده ليقول الناس هذا شجاع أو ليعظمه الإمام فيكثر عطاءه من بيت المال هذا ونحوه رياء حرام وبين أن يجاهد لتحصيل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو مع أنه قد شرك لا يقال لهذا رياء بسبب أن الرياء أن يعمل ليراه غير الله من خلقه والرؤية لا تصح إلا من الخلق فمن لا يرى ولا يبصر ولا يقال في العمل بالنسبة إليه رياء والمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه لا يقال إنه يرى ويبصر فلا يصدق على هذه الأغراض لفظ الرياء لعدم الرؤية فيها.
وكذلك من حج وشرك في حجه غرض المتجر ويكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود ويقع تابعا اتفاقا فهذا أيضا لا يقدح في صحة الحج ولا يوجب إثما ولا معصية وكذلك من صام ليصح جسده أو ليحصل له زوال مرض من الأمراض التي ينافيها الصوم ويكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصود مع ذلك وأوقع الصوم مع هذه المقاصد لا يقدح في صومه بل أمر بها صاحب الشرع في قوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" 1 أي قاطع فأمر صلى الله عليه وسلم بالصوم لهذا الغرض ولو كان ذلك قادحا لما يأمر به صلى الله عليه وسلم في العبادة إلا معها ومن ذلك أن يجدد وضوء ليحصل له التبرد أو التنظف وجميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هي لتشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم وذلك لا يقدح في العبادات فظهر الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك فيها غرض آخر غير الخلق مع أن الجميع تشريك نعم لا يمنع أن هذه الأغراض المخالطة للعبادة قد تنقص الأجر وأن العبادة إذا تجردت عنها زاد الأجر وعظم الثواب أما الإثم والبطلان فلا سبيل إليه ومن جهته حصل الفرق لا من جهة كثرة الثواب وقلته انتهى.
وظاهر كلامه أن التشريك بجميع وجوهه لا يحرم وليس كذلك لأن الإخلاص فرض ومن كان الباعث الأقوى عليه باعث النفس لم يخلص وظاهر كلامه أيضا أن مطلق الرياء ولو قل يحبط العمل ويصير لا ثواب له أصلا وفيه نظر.
وانظر أول كتاب الجهاد من البيان وقد حرر الكلام في ذلك حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتاب الإخلاص من رفع المنجيات وكتاب الرياء من المهلكات وفي المنهاج.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 10. كتاب النكاح باب 2، 3، 19. مسلم في كتاب النكاح حديث 1، 3. أبو داود في كتاب النكاح باب 1. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 1. النسائي في كتاب الصيام باب 43. الدارمي في كتاب النكاح باب 2. أحمد في مسنده (1/378، 424).

الصفحة 505