كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 3)

__________
وحاصله أن العمل لأجل حظ النفس داخل في الرياء عار عن الإخلاص كمن صام ليستنفع بالحمية ومن يعتق عبدا ليخلص من مؤنته أو يغزو ليمارس الحرب ونحو ذلك قال وليس الاعتبار بلفظ الرياء واشتقاقه من الرؤيا وسميت هذه الإرادة الفاسدة رياء لأنها أكثر ما تقع من قبل رؤية الناس قاله في المنهاج وتلخيص الحكم في ذلك العمل إذا كان خالصا لله فهو سبب الثواب وإن كان خالصا للرياء أو لحظ النفس فهو سبب العقاب لا لأن طلب الدنيا حرام ولكن طلبها بأعمال الدين حرام لما فيه من الرياء وتغيير العبادة عن وضعها وإن اختلط القصدان فإن كان الباعث الديني مساويا للباعث النفسي تقاوما وتساقطا وصار العمل لا له ولا عليه وإن كان الباعث النفسي أقوى وأغلب فليس العمل بنافع بل هو مضر نعم هو أخف من العمل المتجرد لحظ الدنيا وإن كان الباعث الديني أقوى فله ثواب بقدر ما فضل من قوة الباعث الديني لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7،8] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] وليس من خرج بنية التجارة والحج من أمثلة هذه المسألة لأنه إذا سلم من قصد الرياء فإنما يحمله على الإحرام ومباشرة المناسب الباعث الديني لأنه كان يمكنه أن يحضر الحج ويتجر من غير إحرام نعم لو كان كل من أحرم بالحج يعطى له مال لأمكن أن يفرض من صور المسألة ويصير كمن خرج للجهاد بنية الغنيمة وإعلاء كلمة الإسلام فيأتي فيه التفضيل وأما سفره من بلده إلى مكة فيدخله التفصيل.
وقد قال حجة الإسلام في الكتاب المذكور الإجماع على أن من خرج حاجا ومعه تجارة صح حجه وأثيب عليه وقد امتزج به حظ من حظوظ النفس نعم يمكن أن يقال إنما يثاب على أعمال الحج عند انتهائه إلى مكة وتجارته غير موقوفة عليه فهو خالص وإنما المشترك طول المسافة ولكن الصواب أن يقال مهما كان الحج هو المحرك الأصلي وغرض التجارة كالمعين والتابع فلا ينفك نفس السفر عن ثواب وما عندي أن الغزاة لا يدركون في أنفسهم تفرقة بين غزو الكفار في جهة تكثر فيها الغنائم وبين جهة لا غنيمة فيها ويبعد أن يقال إدراك هذه التفرقة يحبط بالكلية ثواب جهادهم بل العدل أن يقال إذا كان الباعث الأصلي والمزعج القوي هو إعلاء كلمة الله وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبع فلا يحبط به الثواب نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت إلى الغنيمة أصلا فإن هذا الالتفات نقصان لا محالة وقال بعده ويبعد أن يقال من كان داعيته الدينية تزعجه إلى الغزو وإن لم تكن غنيمة وقدر على غزو طائفتين من الكفار إحداهما غنية والأخرى فقيرة فمال إلى جهة الأغنياء لإعلاء كلمة الله وللغنيمة أنه لا ثواب له على عزوه ألبتة ونعوذ بالله أن يكون الأمر كذلك فإن هذا حرج في الدين ومدخل لليأس على المسلمين لأن أمثال هذه الشوائب التابعة قد لا ينفك الإنسان عنها إلا على الندور فيكون تأثير هذا في نقصان الثواب وأما أن يكون في إحباطه فلا. نعم

الصفحة 506