كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 3)

__________
ذلك وأجابا عن ركوبه صلى الله عليه وسلم بأنه لو مشي ما وسع أحدا الركوب وبأنه صلى الله عليه وسلم أسن فلم يكن من أهل المشي وليظهر للناس فيقتدون به ولهذا طاف على بعيره ونص كلام صاحب الطراز ذهب بعض الناس إلى أن الحج أفضل راكبا منه ماشيا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله هذا غير صحيح لاتفاق الكافة على أن من نذره راكبا وحج ماشيا أنه يجزئه ولو نذره ماشيا ما وسعه أن يحجه إلا ماشيا إذا كان يطيقه فلو كان راكبا أفضل ما أمر بالمشي بل كان يندب إلى الركوب وفي البخاري عنه صلى الله عليه وسلم: "ما أغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار" 1 وقال ابن عباس وددت أني حججت ماشيا وفعله الحسن بن علي وجماعة من السلف أما النبي صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك لوجوه منها أنه كان يقصد التخفيف على الأمة ولو مشي ما ركب أحد ممن حج معه ومنها أنه كان يقتدى به في فعله وكان يظهر للناس على بعيره ويلحظونه ولهذا طاف على بعيره وإن كان ذلك ممنوعا لغيره ومنها أنه لم يكن من أهل المشي فكان فيه في حقه أكبر مشقة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنفل جالسا لمشقة القيام فكيف بالمشي انتهى. ونحوه للخمي قال أرى أن أمشي أفضل لقوله عليه السلام ما أغبرت قدما عبد الحديث فدخل فيه المشي للحج والمساجد والغزو لأن كل ذلك من سبيل الله وقد روي عنه عليه السلام إنه خرج لجنازة ماشيا ورجع راكبا وفي الترمذي عن علي من السنة أن يخرج للعيدين ماشيا وقال مالك: يستحب المشي للعيدين وقال فيمن خرج للاستسقاء يخرج ماشيا متواضعاً غير مظهر لزينة وكل هذه طاعات يستحب للعبد أن يأتي مولاه متذللا ماشيا وقد ريء بعض الصالحين بمكة فقيل له أراكبا جئت قال ما حق العبد العاصي الهارب بأن يرجع إلى مولاه راكبا ولو أمكنني لجئت على رأسي.
وأما حجه عليه السلام فلأنه قد كان يحب ما خف على أمته وقد كان أسن فكان أكثر صلاته بالليل جالسا انتهى. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل المشي فروى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأني أنظر إلى موسى بن عمران منهبطا من ثنية هرشي ماشيا" وروى ابن ماجة عن ابن عباس أن الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا يدخلون الحرم مشاة حفاة ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك حفاة مشاة ويروى أن آدم عليه السلام حج على رجله سبعين حجة أخره الأزرقي وعن ابن عباس أن آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند على رجليه قيل المجاهد أفلا كان يركب قال وأي شيء كان يحمله أخرجه ابن الجوزي وعن مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين رواه البيهقي وذكر الأزرقي إن ذا القرنين حج ماشيا وعن ابن عباس ما آسى على شيء على أني لم أحج ماشيا رواه البيهقي وروي عنه أيضا أنه مرض فجمع أهله وبنيه فقال لهم يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من حج ماشيا من مكة حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 16.

الصفحة 515