كتاب الإيماء إلى أطراف أحاديث كتاب الموطأ (اسم الجزء: 3)
وروى عُروة، عن عائشة أنَّها قالت: "أهلَلْتُ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حجّةِ الوداع بعمرة فكنتُ مِمَّن تَمَتعَ ولم يَسُقِ الهديَ". قال: "فزعَمتْ أنَّها حاضت ولَم تَطهُرْ حتى دخلتْ ليلةُ عرفةَ فقالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هذا يومُ عرفة ولم أَطهرْ بعدُ، وكنتُ تمتّعتُ بالعمرةِ" فقال لها: "أَهِلّي بالحج واسكتي عن العمرة". خرّجه قاسم من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عنه (١).
فأخبرتْ عائشةُ عن نفسِها في هذا الحديثِ أنَّها تَمَتَعتْ مِن أجْلِ أنَّها أَهَلَّتْ بعمرة، وهذا تَجَوُّزٌ؛ إذ لاَ خلافَ أنَّها لَم تَحِلَّ من عُمرتِها حتى كَمُلَ حَجُّها، فأيْنَ حقيقةُ التَمَتُّع؟ (٢).
---------------
(١) وهو في صحيح البخاري بمتنه وإسناده كتاب: الحيض باب: امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض (١/ ١٠٢) (رقم: ٣١٦).
(٢) روى ذلك جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة عائشة صريحًا، خرّجه مسلم في صحيحه كتاب: الحج باب: بيان وجوه الإحرام .. (٢/ ٨٨١) (رقم: ١٢١٣).
وانظر: فتح الباري لابن رجب (٢/ ١٠٤ - ١٠٨).
والحاصل أنَّ الأحاديث التي جاءت بإضافة التمتع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - موُوّلة إلى أنه أمر بذلك أو أنه أُطلق التمتع على القران.
قال ابن حبان بعد أن ساق جملة من تلك الروايات: "وأما الأخبار التي ذكرناها قبل فِي التمتع، فإنها ما نقول في كتبنا: إن العرب تنسب الفعل إلى الآمر كما تنسبه إلى الفاعل، فلما أذن لهم - صلى الله عليه وسلم - في التمتع وقال: "من أهلّ بعمرة ولم يكن ساق الهدي فلْيحلّ" كان فيه إباحة التمتع لمن شاء، فنُسب هذا الفعل إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الأمر به، لا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان متمتِّعا، ولذلك قال عمر بن الخطاب للصُّبيّ بن معبد حيث أخبره أنه أهلّ بالحج والعمرة فقال: هُديت إلى سنّة نبيّك". الصحيح (الإحسان) (٩/ ٢٤٩).
وأورد الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه القيّم زاد المعاد أكثر من عضرين دليلًا صحيحًا صريحًا من السنة، فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا في حجّته، وبيّن أن التمتع يُطلق على معنيين، منها تمتّع القران، وهي لغة القرآن، ورجّح بأكثر من عشرة أوجه أن حجّته - صلى الله عليه وسلم - كان فيها قارنًا. انظره في: زاد المعاد (٢/ ١٠٧ - ١٥٨).