فيرفع رأسه حتّى يستوى قَاعدًا على مقعدته ويقيم صلبهُ" (¬1)، وفي رواية محمّد بن عمرو: "فإِذَا رفعت رأَسك فاجلس على فخذك اليسرى" (¬2): فيه دلالة على وجوب الرفع وعلى الطمأنينة في حال الرفع، وقال أبو حنيفة: (¬3) يكتفي بأدنى رفع ولو مقدار حد السيف، وقال مالك: يكون أقرب إلى الجلوس، وفي قوله "تجلس على فخذك اليسرى": دلالة على أنّ هيئته افتراش اليسرى ونصب اليمنى، والخلاف فيه لأحد قولي الشّافعيّ أنه يقعد على رؤوس أصابعه (¬4).
وقوله "ثُمَّ اسْجُدْ حتّى تطمئن ساجدًا ثمّ افعل كذلك في صلاتك كلها": دليل على أنه لا يقعد للاستراحة حيث لا قعود للتشهد، ولكنه قد وقع في رواية ابن نمير ذكره البخاريّ في باب الاستئذان بعد السجود (أ) الثاني "ثمّ ارفع حتّى تطمئن جالسًا"، ولكن البخاريّ أشار إلى أنّ هذه
¬__________
(أ) في جـ: واو زائدة.
__________
(¬1) النَّسائيُّ 2/ 179 - 180.
(¬2) أبو داود، بلفظ (فاقعد) 1/ 537 ح 859.
(¬3) الهداية 1/ 49.
(¬4) وهو الإقعاء. قلت: وقال النووي: إن الإقعاء والافتراش كلاهما سنة ولكن إحدي السنتين أكثر وأشهر وهي الافتراش من رواية أبي حميد لكونها صدقها عشرة من أصحاب رسول الله وهذا يدلُّ على مواظبته - صلى الله عليه وسلم - وشهرتها عندهم فهي أفضل وأرجح مع أنّ الإقعاء سنة. قلت: وجعل الشّافعيّة الإقعاء صورتين: صورة جائزة وسنة وهي ما ذكر وصورة ورد النّهي عنها وهي أنّ يجلس الإنسان على إليتيه ناصبًا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع. قلت: وكره الحنابلة الإقعاء ولعلّه إقعاء الكلب أنها الصورة الثّانية في صحيح مسلم فلا أري أنهم يكرهونها ولقد تكلم ابن قدامة في المغني على الإقعاء وخرج مخرجًا سليمًا في جمعه بين كلام الأئمة الحنابلة وعدم معارضة صحيح مسلم، وبالله التوفيق. المجموع 3/ 381 وما بعدها، المغني 1/ 524، المطلع 85.