كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 3)

إلى أنه لا يجوز الجمع للسفر (¬1)، وأجابوا في الأحاديث الواردة في ذلك بأن المراد بالجمع الذي وقع منه - صلى الله عليه وسلم -هو الجمعُ الصُّوريّ، وهو أنه أخَّرَ المغرب مثلًا إلى آخر وقتها وقَدَّمَ العشاء إلى أول وقتها، وكذلك الظهر والعصر، وهذا وإن تمشى لهم في تأويل جمع التأخير لم يتمشى في تأويل جمع التقديم كما عرفت من ثبوته (¬2).
واعلم أنه قد ورد في الجمع في [الحَضَر] (أ) مطلقًا ما أخرجه الشيخان (¬3) من حديث ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ بالمدينة من غير خوف ولا سفر" قال مالك (¬4): أري ذلك في مطر، ولمسلم: "جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر"، وقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته"، وفي رواية للطبراني (¬5): جمع بالمدينة من غير عِلَّة، قيل له: ما أراد بذلك؟ قال: التوسيع على أمته.
¬__________
(أ) بهامش الأصل.
__________
(¬1) شرح فتح القدير 2/ 48.
(¬2) قال ابن قدامة: هذا فاسد لوجهين:
أحدهما: أنه جاء الخبر صريحًا في أنه كان يجمعهما في وقت إحداهما كقول أنس "أخر الظهر إلى وقت العصر .. ".
الثاني: أن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقًا وأعظم حرجًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقي من وقت الأولى إلا قدر فعلها .. المغني 2/ 272.
(¬3) البخاري 2/ 23 ح 543، مسلم 1/ 490 ح 54 - 705. قلت: وليس في رواية البخاري "من غير خوف ولا سفر".
(¬4) الموطأ 109.
(¬5) الطبراني الكبير 10/ 397 ح 10803.

الصفحة 388