كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 3)

واعلم أنَّه اختلفت الروايات المتكثرة من كلا الجانبين (أ) وظاهرها التباين، وقد أشار إلى الجمع بينهما القرطبي وأحسن قال بعد ذكر الأحاديث من الجانبين (أ): وقد روى عن سعيد بن جبير قال: "كان المشركون يحْضرون المسجد، فإذا قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: هذا محمَّد يذكر رحمن اليمامة -يعنون مسيلمة- فأُمر أنّ يخافت ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ونزلت: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} (¬1) قال التِّرْمِذِيّ الحكيم أبو عبد الله (¬2): فبقى ذلك إلى يومنا هذا على ذلك الرسم، [وبقيت المخافتة في صلاة النهار وإن زالت العلة] (ب) انتهى.
وقريب منه (جـ) ما ذكره ابن القيم في "الهَدْي" (¬3) قال: كان يجهر ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تارة، ويخفيها أكثر مما جهر بها، ولا ريب أنَّه لم يكن يجهر بها دائمًا في كل يوم وليلة، خمس مرات أبدًا حضرًا وسفرًا ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتَّى (د) يحتاج إلى التشبث فيه بألفاظ مجملة وأحاديث واهية، "فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحها غير صحيح". انتهى.
¬__________
(أ- أ) بهامش جـ.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) في جـ: منها.
(د) في هـ: حتَّى، وباقي النسخ حين المثبت موافق للهدي.
__________
(¬1) الآية 110 من سورة الإسراء.
(¬2) نوادر الأصول 393، تفسير القرطبي 10/ 342 - 343.
(¬3) الهدي 1/ 206، (زاد المعاد).

الصفحة 69