كتاب ذيل طبقات الحنابلة - لابن رجب - ت العثيمين (اسم الجزء: 3)

مصر، تُلِقِّي بالبشر والإِكرام، وأقام بها يُسمع الْحَدِيث بمواضع منها، وبالقاهرة. وَقَدْ كَانَ بمصر كثير من المخالفين، لكن كانت رائحة السلطان تمنعهم من أذى الحافظ لو أرادوه، ثُمَّ جاء الْمَلِك العادل، وأخذ مصر، وأكثر المخالفون عنده عَلَى الحافظ. وسمعت أَن بَعْضهم بذل فِي قتل الحافظ خمسة آلاف دِينَار. قَالَ: وقرأت بخط الحافظ كتبه إِلَى دمشق: والملك العادل اجتمعت بِهِ، وَمَا رأيت منه إلا الجميل، فأقبل عَلِي وأكرمني، وقام لي والتزمني، ودعوت لَهُ. ثُمَّ قُلْت: عندنا قصور، فَهُوَ الَّذِي يوجب التقصير، فَقَالَ: مَا عندك لا تقصير ولا قصور، وذكر أمر السنة، فَقَالَ: مَا عندك شَيْء يعاب فِي أمر الدين ولا الدنيا، ولا بد لِلنَّاسِ من حاسدين، وَقَدْ تقدم ذكر هيبة العادل لَهُ، واحترامه، وتعجب النَّاس من ذَلِكَ.
قَالَ: ثُمَّ سافر العادل إِلَى دمشق، وبقي الحافظ بمصر، والمخالفون لا يتركون الْكَلام فِيهِ، فلما أكثروا عزم الْمَلِك الكامل عَلَى أخراجه من مصر واعتقل فِي دارٍ سبع ليال، فَقَالَ: مَا وجدت راحة بمصر مثل تلك الليالي.
وَقَالَ: سمعت أبا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الغني، يَقُول: حَدَّثَنِي الشجاع بْن أَبِي ذكرى الأمير، قَالَ: قَالَ لي الْمَلِك الكامل يوما: ههنا رجل فقيه، قَالُوا: إنه كافر، قُلْت: لا أعرفه، قَالَ: بلى، هُوَ محدث، فَقُلْتُ: لعله الحافظ عَبْد الغني؟ فَقَالَ: نعم، هَذَا هُوَ، فَقُلْتُ: أيها الْمَلِك، الْعُلَمَاء: أحدهم يطلب الآخرة، والآخر يطلب الدنيا، وأنت ههنا بَاب الدنيا، فهذا الرجل جاء إليك،

الصفحة 38