كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (اسم الجزء: 3)

فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يَطْلُبِ الْإِسْنَادَ، يَعْنِي: التَّغَالِيَ فِيهِ.
وَاسْتِعْمَالُ (بَعْضٍ) بِلَا إِضَافَةٍ قَلِيلٌ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي (غَيْرٍ) مِنْ مَرَاتِبِ الصَّحِيحِ.
(وَهْوَ) ; أَيِ: الْقَوْلُ بِتَفْضِيلِ النُّزُولِ، (رَدْ) ; أَيْ: مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ ; لِضَعْفِهِ وَضَعْفِ حُجَّتِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ ; لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَشَقَّةِ - فِيمَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - لَيْسَتْ مَطْلُوبَةً لِنَفْسِهَا.
قَالَ: وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنَ الرِّوَايَةِ - وَهُوَ الصِّحَّةُ - أَوْلَى، وَأَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ مَنْ يَقْصِدُ الْمَسْجِدَ لِلْجَمَاعَةِ فَيَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْبَعِيدَةَ لِتَكْثِيرِ الْخُطَا رَغْبَةً فِي تَكْثِيرِ الْأَجْرِ، وَإِنْ أَدَّاهُ سُلُوكُهَا إِلَى فَوْتِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ التَّوَصُّلُ إِلَى صِحَّتِهِ، وَبُعْدُ الْوَهْمِ، وَكُلَّمَا كَثُرَ رِجَالُ الْإِسْنَادِ تَطَرَّقَ إِلَيْهِ احْتِمَالُ الْخَطَأِ وَالْخَلَلِ، وَكُلَّمَا قَصُرَ السَّنَدُ كَانَ أَسْلَمَ.
وَسَبَقَهُ الْخَطِيبُ فَقَالَ: وَمِنْهُمْ، أَيْ: وَمِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، مَنْ يَرَى أَنَّ سَمَاعَ الْعَالِي أَفْضَلُ ; لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُخَاطِرٌ، وَسُقُوطُ بَعْضِ الْإِسْنَادِ مُسْقِطٌ لِبَعْضِ الِاجْتِهَادِ، وَذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى السَّلَامَةِ، فَكَانَ أَوْلَى.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: الْعُلُوُّ يُبْعِدُ الْإِسْنَادَ مِنَ الْخَلَلِ ; لِأَنَّ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ رِجَالِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ الْخَلَلُ مِنْ جِهَتِهِ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، فَفِي قِلَّتِهِمْ قِلَّةُ جِهَاتِ الْخَلَلِ، وَفِي كَثْرَتِهِمْ كَثْرَةُ جِهَاتِ الْخَلَلِ، قَالَ: وَهَذَا جَلِيٌّ وَاضِحٌ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا أَعْلَمُ وَجْهًا جَيِّدًا لِتَرْجِيحِ الْعُلُوِّ إِلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الصِّحَّةِ وَقِلَّةِ الْخَطَأِ ; فَإِنَّ الطَّالِبِينَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْإِتْقَانِ، وَالْغَالِبُ عَدَمُ الْإِتْقَانِ، فَإِذَا كَثُرَتِ الْوَسَائِطُ، وَوَقَعَ مِنْ كُلِّ وَاسِطَةٍ تَسَاهُلٌ مَا، كَثُرَ الْخَطَأُ وَالزَّلَلُ، وَإِذَا قَلَّتِ الْوَسَائِطُ قَلَّ. انْتَهَى.

الصفحة 336