كتاب الاستيعاب في بيان الأسباب (اسم الجزء: 3)

* عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-؛ قال: إن ابن أبي مُعَيط وأُبيّ بن خلف الجمحي التقيا، فقال عقبة بن أبي مُعَيط لأُبَيّ بن خلف، وكانا خليلين في الجاهلية، وكان أُبَيّ بن خلف أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعرض عليه الإسلام، فلما سمع ذلك عقبة؛ قال: لا أرضى عنك حتى تأتي محمداً فتتفُلُ في وجهه، وتشتمه وتُكَذِّبه، قال: فلم يُسَلِّط الله على ذلك، فلما كان يوم بدر؛ أُسِرَ عقبة بن أبي معيط في الأُسارى، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليَّ بن أبي طالب أن يقتله، فقال عقبة: يا محمد! مِنْ بين هؤلاء أُقتل؟ قال: "نعم"، قال: لِمَ؟ قال: "بكفرك، وفجورك، وعُتُوّك على الله ورسوله"، قال معمر: وقال مقسم: فبلغنا -والله أعلم- أنه قال: فمَن للصبية؟ قال: النار، قال: فقام إليه علي بن أبي طالب فضرب عنقه.
وأمَّا أُبَيَّ بن خلف؛ فقال: والله لأقتلنَّ محمداً، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "بل أنا أقتله إن شاء الله"، قال: فانطلق رجل ممن سمع ذلك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أُبَيّ بن خلف، فقيل: إنَّه لَمّا قيل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ما قلتَ؛ قال: "بل أنا أقتله إن شاء الله"، فأفزعه ذلك، وقال: أنْشُدُك بالله أسمعته يقول ذلك؟ قال: نعم، فوقعت في نفسه؛ لأنهم لم يسمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قولاً إلا كان حقاً.
فلما كان يوم أُحد؛ خرج أُبَيّ بن خلف مع المشركين، فجعل يلتمس غفلة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليحمل عليه، فيحُول رجل من المسلمين بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال لأصحابه: "خَلُّوا عنه"، فأخذ الحربة فجزله بها (¬1) -يقول: رماه بها- فيقع في ترقوته، تحت تسبغة البيضة، وفوق الدرع، فلم يخرج منه كبير دم، واحتقن الدم في جوفه، فجعل يخور كما يخور الثور، فأقبل أصحابه، حتى احتملوه وهو يخور، وقالوا: ما هذا؟ فوالله ما بك إلا خدش، فقال: والله؛ لو لم
¬__________
= قلنا: من دون ابن عباس كلهم كذابون.
(¬1) انظر: التعليق على المصنف.

الصفحة 10