كتاب السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة (اسم الجزء: 3)

فاعتدلت ونظرت فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - مغشى عليه والعرق يتحدّر من جبينه الشريف .. وهو يعاني ثقلًا وشدّة من نزول الوحي عليه .. بـ:

براءة عائشة رضي الله عنها
تقول أم المؤمنين بعد أن لهجت بدعائها: (فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون ..
ثم تحولت، فاضطجعت على فراشي، وأنا والله يعلم أني بريئة، وأن الله مبرّئي ببراءتي. ولكن -والله- ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله عَزَّ وَجَلَّ فيّ بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها. فوالله ما رام (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ على نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، فأخذه (¬2) ما كان يأخذه من البرحاء (¬3) عند الوحي، حتى إنه كان ليتحدّر منه مثل الجمان (¬4) من العرق في اليوم الشات (¬5)، من ثقل القول الذي أنزله عليه، "وأنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ساعته، فسكتنا، فرفع عنه وإني لأتبيّن السرور في وجهه وهو يمسح جبينه" فلما سرّي (¬6) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -هو يضحك- فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: أبشري يا عائشة، أما الله فقد برّأك "أنزل الله براءتك"، فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: والله .. لا أقوم إليه، ولا
¬__________
(¬1) أي: ما فارق.
(¬2) جاءه أصابه.
(¬3) الحمى الشديدة إلى تسيل العرق.
(¬4) مثل حبات اللؤلؤ.
(¬5) أي أن ذلك يسيل منه حتى في أيام الشتاء الباردة.
(¬6) انتهى ما به من معاناة نزول الوحي.

الصفحة 53