كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 5-6)

بالبناء للمجهول (منه شيء) أي ما نال أحد منه شيئاً كما وقع من شج الكفار لرأسه في أحد وإسقاط رباعيته وغير ذلك مما وقع من جهالاتهم وإضراراتهم به في بدنه الشريف وغير ذلك (قط فينتقم) بالنصب في جواب النفي (من صاحبه) أي صاحب الذنب لنفسه، كان يعفو ويصفح ويزيد بالإحسان، كما ورد أنه قيل له يوم أحد: ادع الله عليهم فقال «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» فعفا عن حقه وصفح وزاد إحساناً بالدعاء لهم بغفر ذلك الذنب المتعلق بحقه، إذ لو سأل لهم مطلق لغفران لأجيبت دعوته وآمنوا حالاً واعتذر عنهم (إلا أن ينتهك شيء من محارم الله) يحتمل كون الاستثناء متصلاً: أي إلا ما نيل منه بأن كان فيه انتهاك المحارم كالطعن بارتكاب المحارم (فينتقم) حينئذ من ذلك الطاعن (لـ) حق (الله تعالى) لا لحق نفسه، وعدم انتقامه ممن قال في قسمته: هذه ما أريد بها وجه الله تعالى تأليفاً للقوم على الإسلام كما قال «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه» ويحتمل أن
يكون الاستثناء منقطعاً وهو الأقرب، أي لكن إذا انتهكت حرمات الله تعالى انتقم من منتهكها كائناً ما كان (رواه مسلم) .

3645 - (وعن أنس رضي الله عنه قال كنت أمشي) أتى به بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية إشعاراً باستحضاره لذلك (مع رسول الله وعليه برد) تقدم ضبطه (نجراني) منسوب إلى نجران بلدة من بلاد همدان من اليمن، قال البكري: سميت باسم بانيها نجران بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان كذا في المصباح (غليظ الحاشية) أتى به ليرتب عليه مزيد الأثر الآتي (فأدركه أعرابيّ) لم أر من سماه (فجبذه) قيل إنه لغة في جذب وقيل إنه مقلوبه (جبذة شديدة) زاد في رواية «حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه» (فنظرت إلى صفحة) بفتح المهملتين وسكون الفاء بينهما: أي جانب من (عاتق النبيّ) وهو بالمهملة والفوقية والقاف ما بين العنق والكتف (وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته) وذلك من سوء أدبه وجفائه على عادة الأعراب، فمن بدا جفا (ثم قال) على

الصفحة 103