كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 5-6)

حرف العلة فيه على لغة شهيرة فيه، والأوّل أبلغ لإفادته أن من شأن المؤمن انتفاء ذلك عنه وعدم وقوعه منه بالكلية لما يأتي (أحدكم الموت) أي لضرّ نزل به كما يأتي في أحاديث الباب، وإنما نهى عن تمنيه، لأنه (إما) أن يكون (محسنا) أي مطيعاً لله تعالى قائماً بوظائف الواجبات والمندوبات أو الواجبات فقط (فلعله) إذا طال عمره وهو على هذا الكمال (يزداد) أي خيراً كثيراً، فلا ينبغي له وهو على مدرج التزوّد للآخرة والاستكثار من حيازة ثواب الأعمال الصالحة أن يتمنى ما يمنعه عن البرّ والسلوك لطريق الله تعالى وزيادة رضاه وقد ورده «خياركم من طال عمره وحسن عمله» أي أنه يزداد الترقي في زيادة الأعمال المزيدة في القرب من الله تعالى فكيف يسأل قطع ذلك (وإما) أن يكون (مسيئاً فلعله يستعتب) أي يرجع إلى الله سبحانه بالتوبة وردّ المظالم وتدارك الفائت وطلب عتبى الله تعالى: أي رضاه عنه، فالعتبى والإعتاب: الإرضاء، ولعل فيهما لمجرد الرجاء وكثر مجيئها له إذا صحبه تعليل نحو {واتقوا الله لعلكم تفلحون} (البقرة: 189) (متفق عليه، وهذا لفظ البخاري) في آخر حديث أوله «لن يدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا ولا يتمنى» الحديث أخرجه في كتاب المرضى.
(وفي رواية مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللُّه قال: لا يتمنى أحدكم) أي الواحد منكم، وكونه من ألفاظ العموم إنما هو إذا تقدمه نفى أو ما في معناه (الموت) والفعل يحتمل الرفع والجزم كما تقدم، ويؤيد الثاني قوله (ولا يدع به) فإنه مجزوم والأصل تناسب المتعاطفات في الخبر والإنشاء، وإن كان المختار جواز عطف الإنشاء على الخبر وعكسه وحينئذ فيكون في الحديث الجمع بين لغتين حذف حرف العلة للجازم وإثباته (من قبل أن يأتيه) وقوله (إنه) يصح فتحها تعليلا وكسرها استئنافا على أن الثاني لا ينافي الأول، والضمير يرجع إلى فاعل يتمنى (إذا مات انقطع عمله) في رواية «أمله» وهما متقاربان إذ المراد بالأمل ما يطمع فيه من ثواب العمل الذي يستكثر منه لو بقي والأمل كذلك ممدوح والمذموم من الأمل الذي يحمل على بطر أو فتور عن صالح العمل (وإنه) أي الشأن (لا

الصفحة 24