كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 5-6)

ابن عبد البر وقيل غير ذلك في نسبه (رضي الله عنه) قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرة رهط من قومه بني أسد بن خزيمة سنة تسع فأسلموا ورجع إلى بلاده، ثم نزل الجزيرة وسكن الرقة ودمشق ومات بالرقة ودفن عند منارة جامعها، روى له عن النبي أحد عشر حديثاً روى عنه ابناه عمرو وسالم والشعبي وغيرهم، وكان كثير البكاء لا يملك دمعته وله عقب بالرقة (قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) من باب الإخبار بالغيوب من جملة معجزاته الكبرى (جئت تسأل عن البرّ) جملة حالية من الضمير (قلت: نعم، قال: استفت قلبك) أي اطلب الفتوى منه، وفيه إيماء إلى بقاء قلب المخاطب على أصل صفاء فطرته وعدم تدنسه بشىء من آفات الهوى الموقعة فيما لا يرضى، ثم بين نتيجة الاستفتاء وأن فيه بيان ما سأل عنه فقال (البرّ ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب) أي نفسه وقلبه إن كان من أهل الاجتهاد، وإلا فليسأل المجتهد فيأخذ ما اطمأنت إليه نفسه وسكن إليه قلبه، فإن لم يوجد شيء من ذلك فليترك ما التبس عليه من مطلوبه ولم يدر حله وحرمته. والقلب القوة المودعة في الجزء الصنبوري المسمى بالقلب أيضاً، والنفس لغة: حقيقة الشيء، واصطلاحاً: لطيفة في البدن تولدت من ازدواج الروح بالبدن واتصالهما معاً (والإثم ما حاك في النفس) أي في نفس المجتهد، ولم يستقرّ حله عنده (وتردد في الصدر) ولم ينشرح له (وإن أفتاك الناس) أي غير أهل الاجتهاد من أولى الجهل والفساد وقالوا لك إنه حق، فلا تأخذ بقولهم لأنه قد يوقع في الغلط وأكل الشبهة أو مطلق الناس فيشمل ما أفتى فيه المفتي بالحلّ في ظاهر الحكم الشرعي، والورع تركه، وذلك كمعاملة من أكثر ماله حرام فلا يأخذ منه شيئاً ولا يعامله، وإن أباح المفتي معاملته
لعدم تعين ما يأخذه منه للحرام، فلا يأخذه ورعا لاحتمال كونه الحرام في نفس الأمر. قال الكازروني: ولأن الفتوى غير التقوى، وجملة «وإن أفتاك الخ» معطوفة على مقدر: أي إن لم يفتك الناس وإن أفتاك وقوله (وأفتوك) هو بمعنى ما قبله كرر للتأكيد والحاصل أن فيه الأمر بترك الشبهات التي تحصل للنفوس المعتد بها الحرارة عند تناولها وأخذها خشية أن تكون حراماً في نفس الأمر، وتقدم أن محل ذلك إذا كان عن مستند قريب يعتد بمثله شرعا وإلا فمراعاة ذلك تنطع (حديث حسن) قال في «الفتح المبين» : بل «صحيح» (رواه أحمد) يعني ابن حنبل الشيباني الإمام المشهور أفردت

الصفحة 34