كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 5-6)

(قال الله تعالى) : ( {ففرّوا إلى الله} ) أي من جميع ما عداه، وهوأمر بالدخول في الإيمان بالله وطاعته وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار تنبيهاً على أن وراء الناس عقاباً وعذاباً وأمراً حقه أن يفر منه فجمعت لفظة ففروا التحذير والاستدعاء، وينظر إلى هذا المعنى قوله «ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك» الحديث. قال الحسين بن الفضل: من فرّ إلى غير الله لم يمتنع من الله ( {إنى لكم نذير مبين} ) يجب أن ينذر ويحذر، أو يبين كونه منذراً من الله بالمعجزات.
1597 - (وعن سعد بن أبي وقاص) واسمه مالك، وسعد أحد العشرة المبشرة بالجنة تقدمت ترجمته (رضي الله عنه قال: سمعت النبي يقول: إن الله يحبّ) المراد من المحبة لاستحالة قيام حقيقتها من الميل النفساني به تعالى غايتها، مجازاً مرسلاً من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم من التوفيق للطاعة أو الإنابة بأحسن الفضل أو الثناء عليه عند ملائكته أو يكون صفة فعل أو إرادة ذلك فتكون صفة ذات (العبد) أي المكلف ولو حرّا وهو اسنى أوصاف الإنسان (التقي) الممتثل للأوامر والمجتنب للنواهي (الغني) الغنى المحمود شرعاً الآتي بيانه في الأصل (الخفي) بالخاء المعجمة هذا هو الموجود في النسخ والمعروف في الروايات. وذكر القاضي عياض أن بعض رواة مسلم رواها بإهمال الحاء، ومعناه بالإعجام الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بها وبأمور نفسه التي تعنيه دينا ودنيا. وقال آخرون: هو الذي يعتزل الناس ويخفي عنهم مكانه، وبالإهمال الوصول للرحم، اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء، والصحيح المعجمة. ففيه دليل تفضيل الاعتزال على الخلطة، أما مطلقاً كما قيل به، أو عند خوف فتنة في الدين كما جرى عليه المصنف وترجم به تبعاً للكثير (رواه مسلم) وأحمد كما في «الجامع الصغير» (المراد بالغني) بفتح المعجمة أي المراد من الغني المذكور في الحديث (غني النفس) كذلك، ويصح أن يقرأ بكسر المعجمة وبالقصر فيهما، وحينئذ فيكون المعنى المراد بالغنى المشتق منه الغنى في الحديث، ويؤيد هذا قوله (كما

الصفحة 41