كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 5-6)

وقالوا: أي سبقت العضباء (فقال) النبيّ من حسن خلقه إذهاباً لذلك الغضب من نفوسهم: إن هذا السبق لهذه من جنس ما جرت به الأقضية الإلهية من ضعة المرتفع من الدنيا فيها كائناً ما كان (حق) أي واجب (على الله) تعالى لقضائه به على ذاته (ألاّ يرتف شيء من الدنيا) من مال أو جاه أو غيرها ذلك من زهرات الدنيا وما ينظر إليه منها (إلا وضعه) ففيه التزهيد في الدنيا وإغماض الطرف عن زهراتها، فإنها تتناهى في مكان من النظر الفائق إذا بها صارت بأدنى حال ما لم تنظر إليها العيون. قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة، وفيه الحث على التواضع وطرح رداء التكبر والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة، وفيه ما كان عليه لحسن خلقه من إذهاب ما يشق على أصحابه عنهم وما كان قصد به من الدنيا التقرّب إلى الله تعالى فليس منها إنما هو فيها فلا يدخل تحت هذا الخبر، بل لا يزال مرفوعاً دنيا وأخرى، وفيه تواضعه إذ سابق أعرابياً (رواه البخاري) في الجهاد وفي الرقاق من «صحيحه» ، ورواه أبو داود في الجهاد من «سننه» .

72 - باب تحريم الكبر
هو: احتقار المرء غيره وازدراؤه له، والكبر على الله كفر بأن لا يطيعه ولا يقبل أمره، فمن ترك أمر الله أو وقع في منهيه استخفافاً به تعالى فهو كافر، وأما من تركه لا على سبيل ذلك بل لغلبة الشهوة أو الغفلة فعاص. والتكبر على الخلق وهو ما عرّف به الكبر في الترجمة فعصيان إن لم يكن فيه استخفاف الشرع، وإلا كأن يحقر نبياً أو ملكاً أو عالماً عن اعتقاد حقارة العلم فذاك كفر أيضاً قاله المظهري (والإعجاب) أي النظر إلى النفس بعين الكمال والفخر بما فيها من علم أو صلاح صورى أو عندها من مال أو جاه (قال الله تعالى) : ( {تلك الدار الآخرة} ) الإشارة لتعظيم الآخرة: أي التي سمعت بذكرها، أو بلغك وصفها هي

الصفحة 62