كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 5-6)

( {وأحسن} ) فيما أنعم الله عليك ( {كما أحسن الله إليك} ) وقيل أحسن بالشكر والطاعة، كما أحسن إليك بالإنعام (ولا تبغ) أي تطلب (الفساد في الأرض) بأمر يكون علة للظلم والبغي، قيل كل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض ( {إن الله لا يحبّ المفسدين} ) لسوى أفعالهم (قال) أي لما وعظه قومه وأخذته العزّة بالإثم وأعجب بنفسه ( {إنما أوتيته على علم عندي} ) أي فضل وخير علمه الله عندي فرآني أهلاً لهذا ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره. واختلف في هذا العلم فقيل علم التوراة وحفظها، قالوا: وكانت هذه مغالطة منه، وقيل العلم بالتجارة ووجوه تثمير المال فكأنه قال أوتيته بإدراكي وسعيي، وقيل علم الكيمياء، وقيل مراده إنما أوتيته على علم من الله وتخصيص من لدنه قصدني به: أي فلا يلزمني فيه شيء مما قلتم، وعلى هذا فقوله عندي خبر مبتدأ: أي هذا عندي كما تقول: في معتقدي أو في رأيي، وعلى كلا الوجهين فقد نبه القرآن على خطئه في اعتزازه ( {أولم يعلم} ) عطف على مقدر: أي عنده مثل ذلك العلم الذي ادعى ولم يعلم ( {أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوّة وأكثر جمعاً} ) فلا تدل كثرة المال على أن صاحبها يستحق رضا الله ليبقى بعلمه بذلك نفسه مصارع الهالكين ( {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} ) سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليه أو
معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة فلا ينافي الآيات التي فيها سؤال المجرمين لأنه سؤال توبيخ وتقريع وتبكيت ( {فخرج على قومه في زينته} ) قال ابن عطية: أكثر المفسرون في تحديد زينة قارون وتعيينها بما لا حجة له فاختصرته (

{قال الذين يريدون الحياة الدنيا} ) على ما هو عادة الناس من الرغبة فيها ( {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} ) تمنوا مثله لاعينه حذراً عن الحسد ( {إنه لذو حظ} ) أي نصيب ( {عظيم} ) من الدنيا ( {وقال الذين أوتوا العلم} ) أي الأحبار لمن تمنى (ويلكم) دعاء بالهلاك استعمل للزجر عما لا يرضى ( {ثواب الله} ) في الآخرة ( {خير} ) مما أوتي قارون ( {لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها} ) الضمير للكلمة التي تعلم بها العلماء أو للثواب فإنه بمعنى المثوبة أو الجنة أو الإيمان والعمل الصالح فإنهما في معنى السيرة والطريقة، وجرى ابن عطية على أن الضمير عاد إلى غير مذكور لفظاً دل عليه المقام كهو في حتى توارت بالحجاب، وكل من عليها فان ( {إلا الصابرون} ) أي على الطاعات وعن الشهوات وهذا جماع الخيرات كلها ( {فخسفنا به} )

الصفحة 66