كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 5-6)

قبله (لمن حسن) بتشديد السين المهملة (خلقه) وفي الإتيان به بصيغة التفعيل إيماء إلى مشقة التخلق بذلك والاحتياج فيه إلى مزاولة للنفس
ورياضة لها (حديث صحيح رواه أبو داود) في الأدب (بإسناد) هو رجال السند (صحيح) أي ولا علة بالمتن ولا شذوذ فلذا صحح المصنف المتن، وإلا فظاهر أنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن لجواز عروض شذوذ أو نكارة أو علة فادحة (الزعيم) بوزن عظيم بالزاي والعين المهملة والتحتية (الضامن) ومنه قوله تعالى: {قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} (يوسف: 72) .

11631 - (وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله قال: إن من أحبكم إليّ) أي أكثركم حباً إليّ: أي اتباعاً لسنتي (وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة) أي في الجنة فإنها دار الراحة والجلوس، أما الموقف فالناس فيه قيام لرب العالمين، والنبيّ حينئذ قائم للشفاعة للعباد وتخليصهم مما هم فيه من الكرب إذ هو المقام المحمود الذي أعطيه يومئذ، ويوم تنازعه الوصفان قبله، ويحتمل ألاّ يكون من ذلك ويكون للأقرب منه (أحاسنكم أخلاقاً) جمع أفعل التفضيل هنا وأفرده في حديث أبي هريرة السابق، لأن المضاف إلى المعرفة يجوز فيه الوجهان، وأخلاقاً جمع خلق بضمتين أو بضم فسكون تخفيفاً ويجمع على خلائق أيضاً كما قاله الحافظ في كتاب الإنقاض في دفع الاعتراض (وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني) حذف الظرف لدلالة ما قبله عليه أو لزيادة التفظيع للمعصية وشناعتها بتعميم البعد للمجلس والموقف لأن حذف المعمول يؤذن به. قال العاقولي في «شرح المصابيح» : هذا الحديث مبني على قاعدة هي أن المؤمنين من حيث الإيمان محبوبون ويتفاضلون بعد في صفات الخير وشعب الإيمان، فيتميز الفاضل بزيادة محبة، وقد يتفاوتون في الرذائل فيصيرون مبغوضين من حيث ذلك ويصير بعضهم أبغض من بعض، وقد يكون الشخص الواحد محبوباً من وجه مبغوضاً من وجه. وعلى هذه القاعدة فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبّ المؤمنين كافة من حيث هم مؤمنون، وحبه لأحسنهم خلقاً أشد، ويبغض العصاة من حيث هم عاصون، وبغضه لأسوئهم

الصفحة 84