كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 5-6)

منقطعاً، ويحتمل كما قال القاضي عياض: أن انتهاكها بإيذائه بما فيه غضاضة في الدين فذاك انتهاك حرمات الله تعالى، وعفوه عمن قال في قسمة خيبر: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، مع أن ذلك المقال غضاضة في الدين، إما لكون القائل لم يقصد الطعن عليه في الميل عن الحق بل اعتقد أنه من مصالح الدنيا التي يجوز الخطأ فيها، أو أنه كان استئلافاً كما استألف ببذل الأموال ترغيباً في الإسلام. وقيل هذا الصواب، وقيل هذا القول طبعاً في قائله وسجية فهو نوع عذر كمن جفا في رفع صوته عليه ومن جذبه بردائه حتى أثر في عنقه وقال: إنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، فضحك وأمر له بالعطاء وقوله (فينتقم لله) جواب لشرط مقدر: أي فإن انتهكت حرمة الله فهو ينتقم لله من مرتكب ذلك كما هو شأن أكابر المسلمين، إلا أن موسى أخذ برأس أخيه يجرّه إليه لما أحدث قومه بعده ما أحدثوا، وكان إذا غضب لله خرج شعره من مدرعته كسل النخل، والأخبار والآثار الدالة على وقوع غضب المصطفى وانتقامه له كثيرة مع الإجماع على أنه كان أحلم الناس وأكثرهم عفواً وصفحاً واحتمالاً وتجاوزاً، وفي الحديث الأخذ باليسر والرفق في الأمور وترك التكلف والمشاق، وفيه الميل إلى الأخذ برخص الله تعالى ورخص نبيه ورخص العلماء ما لم يكن ذلك القول خطأً بيناً وما لم يتبع الرخص بحيث تنحل ربقة التكليف منه، وفيه ما كان عليه من الحلم والصبر والقيام بالحق والصلابة في الدين، وهذا هو الخلق الحسن، فإنه لو ترك كل حق كل ضعفاً وخوراً ومهانة ولو انتقم لنفسه
لم يكن ثم صبر ولا حلم ولا احتمال بل بطشاً وانتقاماً فانتفى عنه الطرفان المذمومان وخير الأمور أوساطها (متفق عليه) رواه البخاري في باب صفة النبي، وفي الأدب من «صحيحه» ، ورواه مسلم في الفضائل ورواه أبو داود في الأدب مختصراً، قاله المزي في «الأطراف» . قلت: ورواه الترمذي في «الشمائل» .

11641 - (وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ألا) أداة استفتاح أتى بها لتنبيه السامع على ما بعدها كقوله (أخبركم) ليستيقظ المخاطب من غمرات الأفكار ويتوجه

الصفحة 97