كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 3)

الشعراء:} والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون {
ثم استثنى فقال:} إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا، وانتصروا من بعد ما ظلموا {. وقال:} ولمن انتصر بعد ظلمه، فأولئك ما عليهم من سبيل {. ولكن الانتصار حداء. وليس منه إذا شتم رجل أباه أو أمه، أن يشتم أبا الشاتم أو أمه، ولا إذا قال: يا زاني أن يقول: "بل أنت الزاني" إذا لم يكن كما يقول: وإنما الانتصار إذا كذب وزور عليه، أن يرميه بالكذب والبهت، ويفسقه بذلك، ويهجر مذهبه، ويعجب منه، وينسبه إلى الجهل وضعف الرأي وسوء الاختيار والضعة، وقلة المروءة فيما تسوغه نفسه من الكذب، وإغفال حق الدين وما وصاه الله تعالى منه من المؤاخاة المواصلة، ويقول فيه من الشعر ما يروي.
وليس شيء من هذا لمن لا يتصور بكذب الكاذب بل ينبغي له أن يسكت عنه. فهذا وما يشبهه هو الابمتصار دون مقابلة الشتم بالشتم والفرية بالفرية. فكل شعر قيل في باطل فلا يروي ولا ينشد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا). ولا يشتغل به إلا نادبا، ومن لم يحتج إليه لك فتركه أولى به والله أعلم.
ومما جاء في حفظ اللسان حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أكل ما يتكلم به في الدنيا يؤاخذ في الآخرة. فقال: (ثكلتك أمك، يا ابن أم معاذ، وهل بكت الناس على ما أخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم). وجاء أنه قال لعقبة بن عامر (أملك لسانك وأبل على خطبتك وتشغل بيتك) ومما جاء في ترك التحفظ في المقال: أن رجلا تكلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكثر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم دون لسانك من ناب؟ قال: أسناني وشفتاي! قال: أما كان في ذلك ما يرد من كلامك؟). وقال

الصفحة 10