كتاب الاستذكار (اسم الجزء: 3)

صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَوْجَبَ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْإِنْذَارِ وَالْإِشْعَارِ بِالْجِنَازَةِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ لِلدُّعَاءِ وَإِقَامَةِ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ شُهُودَ الْجَنَائِزِ خَيْرٌ وَفَضْلٌ وَعَمَلُ بَرٍّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى الْخَيْرِ مِنَ الْخَيْرِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَمُرُّ بِالْمَجَالِسِ فَيَقُولُ إِنَّ أَخَاكُمْ قَدْ مَاتَ فَاشْهَدُوا جِنَازَتَهُ
فَإِنْ قيل إن بن عُمَرَ كَانَ إِذَا مَاتَ لَهُ مَيِّتٌ تَحَيَّنَ غَفْلَةَ النَّاسِ ثُمَّ خَرَجَ بِجِنَازَتِهِ قِيلَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ فِي جِنَازَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ لَمَّا نُعِيَ لَهُ قَالَ كَيْفَ تُرِيدُونَ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُ قَالُوا نَحْبِسُهُ حَتَّى نُرْسِلَ إِلَى قُبَاءٍ وَإِلَى قُرَيَّاتٍ حَوْلَ الْمَدِينَةِ لِيَشْهَدُوا جِنَازَتَهُ قَالَ نِعْمَ مَا رَأَيْتُمْ
وَفِيهِ الْخُرُوجُ بِالْجِنَازَةِ إِلَى الْمُصَلَّى وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا أَنْ يُخْرَجَ بِهَا لِيُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُجْتَمَعَ عَلَيْهَا
وَفِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ إِذَا كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ
وَدَلَائِلُ الْخُصُوصِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ فِيهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أُحْضِرَ رُوحُ النَّجَاشِيِّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ رُفِعَتْ لَهُ جِنَازَتُهُ كَمَا كُشِفَ لَهُ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ سَأَلَتْهُ قُرَيْشٌ عَنْ صِفَتِهِ
وَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَاهُ بِرُوحِ جَعْفَرٍ أَوْ بِجِنَازَتِهِ وَقَالَ قُمْ فَصَلِّ عَلَيْهِ
وَهَذَا كُلُّهُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُشْرِكُهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ
وَفِيهِ الصَّفُّ عَلَى الْجَنَائِزِ وَلَأَنْ تَكُونَ صُفُوفًا أَوْلَى مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ فِيهِ طُولٌ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَوْجَبَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْجَنَائِزَ إِذَا اجْتَمَعَتْ جُعِلَتْ وَاحِدَةً وَرَاءَ وَاحِدَةٍ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تُجْعَلُ صَفًّا وَاحِدًا وَيَقُومُ الْإِمَامُ وَسَطَ الصَّفِّ بَعْضُهُمْ عَنْ يَمِينِهِ وَبَعْضُهُمْ عَنْ يَسَارِهِ وَبَعْضُهُمْ أَمَامَهُ

الصفحة 27