كتاب الاستذكار (اسم الجزء: 3)

فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ أَلَسْتَ مُحْرِمًا قَالَ بَلَى فَقُلْتُ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي تَكَلَّمُ بِهِ قَالَ لَا يَكُونُ الرَّفَثُ إِلَّا مَا وَاجَهْتَ بِهِ النِّسَاءَ وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ - عِزَّ وَجَلَّ - (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) الْبَقَرَةِ 197
فَأَكْثَرُ العلماء على أن الرفث ها هنا جِمَاعُ النِّسَاءِ
وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) الْبَقَرَةِ 187 أَنَّهُ الْجِمَاعُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُرِيدُ مُشَاتَمَتَهُ وَمُقَاتَلَتَهُ إِنِّي صَائِمٌ وَصَوْمِي يَمْنَعُنِي مِنْ مُجَاوَبَتِكَ لِأَنِّي أَصُونُ صَوْمِي عَنِ الْخَنَا وَالزُّورِ وَالْمَعْنَى فِي الْمُقَاتَلَةِ مُقَاتَلَتُهُ بِلِسَانِهِ
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورَ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الصَّائِمَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ إِنِّي صَائِمٌ يَا نَفْسِي فَلَا سَبِيلَ إِلَى شِفَاءِ غَيْظِكِ بِالْمُشَاتَمَةِ وَلَا يُعْلِنُ بِقَوْلِهِ إِنِّي صَائِمٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنَ الْعَمَلِ الذي لا يظهر وكذلك يجزئ اللَّهُ الصَّائِمَ أَجْرَهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ من لم يدع قول الزور والعمل به فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةً أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَمَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَالتَّحْذِيرُ كَمَا جَاءَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ أَيْ يَذْبَحْهَا وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْأَمْرِ بِتَشْقِيصِ الْخَنَازِيرِ وَلَكِنَّهُ عَلَى تَعْظِيمِ إِثْمِ شَارِبِ الْخَمْرِ
وَكَذَلِكَ مَنِ اغْتَابَ أَوْ شَهِدَ زُورًا أَوْ مُنْكَرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ وَلَكِنَّهُ بِاجْتِنَابِ ذَلِكَ لِيَتِمَّ لَهُ أجر صومه

الصفحة 374