كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 3)

معسراً أو موسراً؛ لأن نفقة الصغار من الأولاد لا يسقط بعسرة الأب، ثم اختلفت عبارة المشايخ....... جاز هذا الصلح. قال بعضهم: إنما جاز لأن الأب هو العاقد من الجانبين، والأب يصلح أن يكون عاقداً من الجانبين. ألا ترى أن الأب يبيع مال نفسه من الصغير ويشتري مال الصغير لنفسه فيكون هذا العاقد من الجانبين.
وقال بعضهم: إنما جاز؛ لأن العاقد من جانب الأب ومن جانب الصغار الأم، ونفقة الصغير من أسباب التربية والحضانة فكان للأم في ذلك ولاية قائمة (313ب1) جاز هذا الصلح بولاية الأب وولايتها. فبعد هذا ينظر؛ إن كان وما وقع الصلح عليه أكثر من نفقتهم، فإن كانت الزيادة مما يتغابن الناس فيه بأن كانت الزيادة زيادة تدخل تحت تقدير المقدرين في مقدار كفايتهم فإنه يكون عفواً؛ لأنه لا يمكن التحرز عنه.
وإن كانت الزيادة بحيث لا ندخل تحت تقدير المقدرين يطرح عنه لأن الواجب مقدار الكفاية، فما زاد على قدر الكفاية لا ينسب له فيبطل، وإن كان المصالح عليه أقل من نفقتهم بأن كان لا يكفيهم يبلغ إلى مقدار كفايتهم؛ لأن الواجب على الأب مقدار ما يكفيها.

فرق بين نفقة الأولاد وبين نفقة الأقارب، فإن المعسر إذا صالح قريبه عن النفقة لا يجوز الصلح؛ لأن النفقة للأقارب لا تجب إلا على الموسر على ما يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
فهذا الصلح إنما وقع عما ليس بحق القريب فلا يصح. أما نفقة الأولاد واجبة على الأب. وإن كان الأب معسراً فالصلح إنما وقع عمّا هو حق الأولاد فصح.

قال: رجلٌ له أولاد صغار لا مال له ولا مال للصغار هل أيضاً يفرض عليه؟ فيكتسب وينفق عليهم؛ لأن نفقة الأولاد الصغار لا تسقط بعسرة الأب. قال الله تعالى: {وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره} (البقرة: 236) ثم قال الله تعالى: {من وجدكم} (الطلاق: 6) والوجد: هو الطاقة. علم أن هذه النفقة لا تسقط بالعسار ولكن يفرض عليه مقدار طاقته لما تلونا من النص.
وإن أبى الأب أن يكتسب وينفق عليهم يجبر على ذلك ويحبس، بخلاف سائر الديون، فإن الوالدين وإن عَلَو لا يحبسون بديون الأولاد وفي هذا الدين، قال يحبس.
والفرق: وهو أن في الامتناع عن الإنفاق ههنا إتلاف النفس، والأب لا يستوجب العقوبة عن قصده إتلاف الولد كما لوعدا على ابنه بالسيف كان للابن أن يقتله، بخلاف سائر الديون.
ولو كان الأب عاجزاً عن الكسب لماله من السعاية أو كان مقعداً يتكفف الناس وينفق عليهم. هكذا ذكر في نفقات الخصاف رحمه الله، ومن المتأخرين من قال تكون نفقة الأولاد في هذه الصورة في بيت المال؛ لأنه إذا كان بهذه الصفة تكون نفقته في بيت المال فكذا نفقة أولاده.

الصفحة 569