كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 3)

يضمن صاحب اليد وإن كان أعطاهم بغير أمر القاضي كان ضامناً له؛ لأن صاحب اليد مأمور بالحفظ ودفعه إلى غيره لينفق على نفسه ليس من الحفظ في شيء فيصير به مخالفاً ضامناً، وهو نظير المودع إذا قضى دين المودع بالوديعة كان ضامناً كذا ههنا، وكان الحاكم الإمام أبي إسحاق..... رحمه الله يقول في المودع: إذا قضى دين المودع بالوديعة أنه لا يضمن.
والصحيح أنه يضمن، وأشار إليه محمد رحمه الله في كتاب الوديعة، هذا إذا كان ما تركه الغائب من جنس حقهم. فأما إذا لم يكن من جنس حقهم فأرادوا أن يبيعوا شيئاً من مال الغائب بنفقتهم أجمعوا على أن سوى الوالد بمحتاج لا يملك بيع عقار الغائب ولا يبيع عروضه بالنفقة. وأما الأب المحتاج يمنع بيع المنقول بالنفقة استحساناً ولا يملك بيع العقار إلا إذا كان الولد الغائب صغيراً، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله في كتاب المفقود. وكذلك قياس قوله في المفقود.
والقياس: أن لا يملك الأب البيع على ابنه الكبير الغائب في العقار ونحوه كما لا يملك غير الأب، وأجمعوا على أن حال حضرة من يجب عليه النفقة ليس لأحد ممن يستحق النفقة بيعُ العروض والعقار.

وجه القياس في ذلك: وهو أن ولاية الأب تنقطع ببلوغ الصبي رشيداً إلا فيما يبيعه تحصيناً لولده الغائب، فإن الابن إذا بلغ وهو غائب فللأب ولوصي الأب بيع عروضه تحصيناً على الغائب، وههنا هو لا يبيع تحصيناً على الغائب، إنما يمنع لنفسه وليس له هذه الولاية.

وجه الاستحسان: وهو أن ولاية الأب وإن دلّ بالبلوغ ولكن بقي أثره، ولهذا صح منه الاستيلاد في جارية الابن فلبقاء أثر الولاية أثبتنا له ولاية بيع العروض؛ لأن بيع العروض من الحفظ؛ لأنه يخشى عليه التلف وحفظ الثمن أيسر، وولاية الحفظ ثبتت لمن لا يثبت له ولاية التصرف كما قلنا في الوطء في حق الوارث الكبير الغائب، فكذلك الأب فيعُدُّ بيع بيع الثمن من جنس حقه، فله أن يأخذ منه مقدار النفقة، فأما العقار محصنة بنفسها فلم يكن بيعها بحق الحفظ لو كان بحق الولاية وقد زالت الولاية بالبلوغ عن عقدٍ بخلاف الأم وسائر الأقارب؛ لأنه لم يكن لهم ولاية التصرف حالة الصغر ليبقى أثر تلك الولاية بعد البلوغ فلم يجز بيعهم، أما ههنا بخلافه.
فأما إذا أراد القاضي أن يتولى البيع في هذه الصورة بنفسه ليس له ذلك عند الكل لا في العروض ولا في العقار ولا في النفقة ولا في سائر الديون. وقد ذكرنا هذا في نفقة الزوجات. هذا الذي ذكرنا إذا كان الحال معلوماً للقاضي، فأما إذا لم يكن فالقاضي ماذا يصنع فوجوه ذلك قد مرّ في نفقة الزوجات أيضاً.
هذا الذي ذكرنا حالة حياة الأب، فإن كان الأب قد مات وترك أموالاً وأولاداً

الصفحة 574