كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 3)

عَن أَبِيه عَن ابي بكرَة يرفعهُ: (تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَفِيه: (مسح بِرَأْسِهِ يَقُول بِيَدِهِ من مقدمه إِلَى مؤخره وَمن مؤخره إِلَى مقدمه) ، وبكار لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَعند ابْن قَانِع من حَدِيث ابي هُرَيْرَة: (وضع يَدَيْهِ على النّصْف من رَأسه ثمَّ جرهما إِلَى مقدم رَأسه ثمَّ أعادهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وجرهما إِلَى صدغيه) ، وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث أنس: (أَدخل يَده من تَحت الْعِمَامَة فَمسح مقدم رَأسه) ، وَفِي كتاب ابْن السكن: (فَمسح بَاطِن لحيته وَقَفاهُ) ، وَفِي (مُعْجم) الْبَغَوِيّ، وَكتاب ابْن أبي خَيْثَمَة: (مسح رَأسه إِلَى سالفته) ، (وَفِي كتاب النَّسَائِيّ عَن عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، وصفت وضوءه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوضعت يَدهَا فِي مقدم رَأسهَا ثمَّ مسحت إِلَى مؤخره، ثمَّ مدت بِيَدَيْهَا بأذنيها ثمَّ مدت على الْخَدين، وَعند ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح أَن ابْن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا، كَانَ يمسح رَأسه هَكَذَا، وَوضع أَيُّوب كَفه وسط رَأسه ثمَّ أمرَّها إِلَى مقدم رَأسه، وَفِي (الْمحلى) صَحِيحا عَن ابْن عمر: (كَانَ يمسح اليافوخ فَقَط) . وَفِي (المُصَنّف) أَن ابراهيم كَانَ يمسح على يَافُوخه. وروى أَيْضا فِي الْمسْح مَا هُوَ كالغسل، فَفِي (سنَن أبي دَاوُد) من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن يزِيد بن ركَانَة عَن عبيد الله الْخَولَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس وصف وضوء عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: (وَأخذ بكفه الْيُمْنَى قَبْضَة من مَاء فصبها على ناصيته فَتَركهَا تسيل على وَجهه) ، وَفِيه أَيْضا من حَدِيث مُعَاوِيَة مَرْفُوعا: (فَلَمَّا بلغ رَأسه غرف غرفَة من مَاء فتلقاها بِشمَالِهِ حَتَّى وَضعهَا على وسط رَأسه حَتَّى قطر المَاء أَو كَاد يقطر) ، وَفِيه أَيْضا من حَدِيث ذَر بن حُبَيْش أَنه سمع عليا، رَضِي الله عَنهُ، وَسُئِلَ عَن وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث، قَالَ: (وَمسح على رَأسه حَتَّى المَاء يقطر) ، وَقَالَ ابْن الْحصار فِي هَذَا غسل الرَّأْس بدل مَسحه، وَيرد بِهَذَا على من قَالَ: لَو كرر الْمسْح لصار غسلا، فَخرج عَن وَظِيفَة الرَّأْس.
الْوَجْه السَّادِس: فِي غسل الرجلَيْن، وَالْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْيَدَيْنِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا فِي أَوَائِل كتاب الْوضُوء.
الحكم الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي إحصار المَاء، وَهُوَ إِجْمَاع من غير كَرَاهَة.
الحكم الثَّالِث: فِيهِ اسْتِحْبَاب الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْوضُوء، وَيفْعل كل وَقت إلاَّ فِي الْأَوْقَات المنهية، وَقَالَت ... .

يفعل كل وَقت حَتَّى وَقت النَّهْي، وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: لَيست هَذِه من السّنَن، وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: هَل تحصل هَذِه الْفَضِيلَة بِرَكْعَة الظَّاهِر الْمَنْع، وَفِي جَرَيَان الْخلاف فِيهِ، وَفِي التَّحِيَّة ونظائره نظر.
الحكم الرَّابِع: الثَّوَاب الْمَوْعُود بِهِ مُرَتّب على أَمريْن: الأول: وضوؤه على النَّحْو الْمَذْكُور. الثَّانِي: صلَاته رَكْعَتَيْنِ عَقِيبه بِالْوضُوءِ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث، والمرتب على مَجْمُوع أَمريْن لَا يلْزم ترتبه على أَحدهمَا إلاَّ بِدَلِيل خَارج، وَقد يكون للشَّيْء فَضِيلَة بِوُجُود أحد جزئيه، فَيصح كَلَام من أَدخل هَذَا الحَدِيث فِي فضل الْوضُوء فَقَط لحُصُول مُطلق الثَّوَاب، لَا الثَّوَاب الْمَخْصُوص الْمُتَرَتب على مَجْمُوع الْوضُوء على النَّحْو الْمَذْكُور، وَالصَّلَاة الموصوفة بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور.
الْخَامِس: فِيهِ إِثْبَات حَدِيث النَّفس وَهُوَ مَذْهَب اهل الْحق.
السَّادِس: فِيهِ التَّرْتِيب بَين الْمسنون والمفروض وهما: الْمَضْمَضَة وَغسل الْوَجْه، وَبَعْضهمْ رأى التَّرْتِيب فِي الْمَفْرُوض دون الْمسنون، وَهُوَ مَذْهَب مَالك. وَاخْتلف أَصْحَابه فِي التَّرْتِيب فِي الْوضُوء على ثَلَاثَة أَقْوَال: الْوُجُوب وَالنَّدْب وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْدهم الِاسْتِحْبَاب، وَمذهب الشَّافِعِيَّة وُجُوبه، وَخَالفهُم الْمُزنِيّ فَقَالَ: لَا يجب. وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر والبندنيجي، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَن أَكثر الْمَشَايِخ، وَحَكَاهُ قولا قَدِيما وَعَزاهُ إِلَى صَاحب (التَّقْرِيب) وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لم ينْقل أحد قطّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نكس وضوءه، فاطرد الْكتاب وَالسّنة على وجوب التَّرْتِيب، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من ذَلِك الْوُجُوب.

160 - وَعَنْ إبْراهِيمَ قَالَ قَالَ صالِحُ بنُ كَيْسَان قالَ ابنُ شِهابٍ وَلَكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عنْ حُمْرَانَ فَلَمَّا تَوضَّأَ عُثْمانُ قَالَ ألاَ أحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً لوْلاَ آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ سَمِعْتُ النَّبيَّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لاَ يَتَوضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ ويُصَلِّى الصَّلاَةَ إلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وبَيْنَ الصَّلاَةِ حَتَّى يُصَلِّيهَا قالَ عُرْوَةُ الآْيَةُ إنّ الذيِنَ يَكْتُمُونَ مَا أنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ.

قَالَت جمَاعَة من الشُّرَّاح هَذَا من تعليقات البُخَارِيّ عَن إِبْرَاهِيم بِصِيغَة التمريض، وَقَالَ ابو نعيم الْحَافِظ: لم يذكر البُخَارِيّ شَيْخه فِيهِ، وَلَا أَدْرِي هُوَ معقب بِحَدِيث إِبْرَاهِيم بن سعيد عَن الزُّهْرِيّ نَفسه أَو أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بِلَا سَماع. وَقَالَ

الصفحة 11