كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 3)
الأولي من إشعاعات ماكروية تأكد للعلماء أن الكون يتسع ومستمر بذلك الاتساع. بعد الانفجار الكبير كان الكون حارا بشكل لا يعقل، وكان صغيرا بل وحتى أصغر من نواة الذرة، وفجأة وفي أجزاء من الثانية (10 - 43 من الثانية) اتسع بشكل كبير لتتكثف طاقته بشكل دقائق صغيرة جدا هي بداية المادة كالكواركات ومضاداتها، ثم تكثفت وبرد الكون لتتكون البروتونات والنيوترونات وتزداد الاشعاعات ثم تكثفت لتكون مادة جديدة، واستمرت دورات تكثف الطاقة لتكوين المادة ومن ثم إشعاع المادة وهكذا. ومن ثم هبطت الحرارة عند الثانية (1) من عمر الكون إلى 10 بليون من الدرجات لتتكون الدقائق الأخرى مثل الإلكترونات وتسبح مع البروتونات والنيوترونات في بحر من الحساء الكوني، وعند الدقيقة (3) من عمر الكون واستمرار الحرارة بالهبوط واتساع الكون تكونت ذرة الهليوم.
وبعد (10 10) من الثواني أي حوالي 300000 سنة واستمرار الاتساع وانخفاض الحرارة تكثفت حالة الحساء هذه لتكون ما يعرف بالازما وتجمعت الدقائق لتكون النواة وحولها مدارات من الإلكترونات فتكونت ذرتي الهيدروجين والهليوم.
وفي إثر حدوث الانفجار الأعظم وبدء تشكل مادة الكون من الطاقة، هبطت درجة حرارة الكون الوليد، فولدت قوة الثقالة بما يعرف بظاهرة الانتقال الطوري ( Phase Transition). والانتقال الطوري يمكن تمثيله بالماء، فكما أن الماء يتجمد أثناء تبريده دون الصفر المئوي، ويمكن فصل الجزء ذو الطور الصلب عن الجزء ذي الطور السائل، فهذا هو الانتقال الطوري. ففي أثناء ولادة الكون، انخفضت درجة حرارته وحدث الانتقال الطوري، الأول، فولدت قوة الثقالة، وانفصلت عن القوى الطبيعية الثلاثة الأخرى التي لم تتمكن من التجمد والانفصال لأن درجة حرارة الكون الوليد، على الرغم من تبريدها كانت على درجة من الارتفاع بحيث تصهر شدتها القوى الثلاث الأخرى، موحدة إياها في قوة واحدة. لقد حدث الانتقال الطوري الأول عند هبوط درجة الحرارة من درجة تتخطى جدار بلانك إلى درجة حرارة بلانك (10 32) درجة مطلقة أو كلفن. ولم يتسبب هبوط درجة الحرارة وحدوث الانتقال الطوري في انفصال قوة الثقالة فحسب، إنما أديا أيضا إلى انكسار التناظر أو التجانس وهي صفة جمالية مميزة، فالكون الوليد كان قبل حدوث الانتقال الطوري الشديد التناظر تماما كالماء قبل تجمد قسم منه. إن انفصال قوة الثقالة بالانتقال الطوري الأول أدى إلى انكسار التناظر أيضا. وكان عمر الكون آنذاك جزءا من عشرة ملايين مليار مليار مليار من الثانية (10 - 43 ثانية) «1».
______________________________
(1) د. هاني رزق/ د. خالص جلبي، الإيمان والتقدم العلمي، ص 24، بتصرف.