كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 3)

ثم حدث انتقال طوري ثان فانفصلت القوة النووية الشديدة، وانكسر التناظر من جديد. وحدث هذا الانتقال الطوري عند ما هبطت درجة حرارة الكون الوليد من الدرجة (10 32) إلى الدرجة (10 27)، وكان عمر الكون الوليد 10 - 35 ثانية أي جزء من مائة مليون مليار مليار مليار من الثانية. وعند ما أصبح عمر الكون الوليد جزءا من مائة مليار من الثانية (10 - 11 ثانية)، هبطت درجة حرارة الكون إلى مليون مليار (10 15) درجة مطلقة، عندئذ حصل انتقال طوري ثالث، فانفصل مجموع القوتين النووية الضعيفة والكهرومغناطيسية، التين انفصلتا عن بعضهما لا حقا لتستقل الواحدة منهما عن الأخرى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يمكن تحويل درجة الحرارة إلى طاقة باستعمال ثابت لودفيغ بولتزمان الذي يساوي (617، 8* 10 5) إلكترون فولت لكل درجة حرارة واحدة. فالانفجار الأعظم حدث في درجة حرارة قدرها 10 37 وتعادل هذه طاقة قدرها 10 33 إلكترون فولت. وإذا ما أراد الإنسان بناء مسرع ذي طاقة تسبب توحيد القوى الطبيعية الأربعة وهي طاقة الانفجار الأعظم، فإن عليه أن يبني مسرعا بحجم يساوي حجم المجموعة الشمسية، وهذا أمر محال. ومن هنا يتبين لك أخي الكريم أن هذا الأمر هو إرادة اللّه تعالى في خلق هذا الكون «1».
بالإضافة إلى ولادة الزمان والمكان نتيجة الانفجار الأعظم، وانفصال بعض البنى الغشائية الحويصلية، فإن هبوط درجة حرارة الكون الوليد تسبب في انكسار التناظر بانجماد قوة الثقالة بالانتقال الطوري الأول، وانفصالها عن القوى الطبيعية الثلاث الأخرى التي أبقاها ارتفاع درجة حرارة الجملة موحدة في قوة واحدة. ثم تتابعت الأحداث بسرعة يصعب تصورها، ولنأخذها مفصلة:
كان الكون حارا بشكل لا يعقل، وكان صغيرا بل وحتى أصغر من نواة الذرة، وفجأة وفي أجزاء من الثانية (10 - 43 ثانية) اتسع بشكل كبير لتتكثف طاقته بشكل دقائق صغيرة جدا هي بداية المادة كالكواركات ومضاداتها في الزمن (10 - 40 - 10 - 30 ثانية)، ثم تكثفت وبرد الكون لتتكون النيوكلونات التي تشكل مجموع البروتونات والنيوترونات ومضاداتها عند الزمن (10 - 33 ثانية). وتزداد الإشعاعات ثم تكثفت لتكون الإلكترونات عند الزمن (10 - 10 ثانية)، واستمرت دورات تكثف الطاقة لتكوين المادة ومن ثم إشعاع المادة وهكذا مع اتساع الكون وتبريده. ومن ثم هبطت الحرارة عند
______________________________
(1) د. هاني رزق/ د. خالص جلبي، الإيمان والتقدم العلمي، ص 25 - 26، بتصرف.

الصفحة 27