كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 3)
وقد يتطلب الأمر منا مجلدات حتى نفي هذا الموضوع المهم حقه، وحسبنا قول اللّه تعالى لَخَلْقُ السَّماواتِ والْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) (غافر: 57). لكننا سنحاول في هذا الكتاب جاهدين أن نلخص ونسهل الموضوع قدر الإمكان لنستنشق عبق بعض زهور هذه الرياض الفسيحة.
القرآن الكريم أول كتاب يتحدث عن الفرق بين النجم كالشمس والكوكب كالأرض والكويكب كالقمر، إذ فرّق بين كل تلك المصطلحات، في حين لم يعرف العلم الحديث الفرق بين تلك الأجرام حقيقة وبشكل علمي صحيح إلا بعد نزول القرآن بأكثر من 1000 عام، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) (الأنعام) ..
كما فرّق القرآن الكريم بين الضوء المنبعث من النجوم، والنور المنعكس على الكواكب المعتمة وتوابعها الكويكبات ليراها الرائي وكأنها مضيئة، والحقيقة أنها منورة، فقال تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والْقَمَرَ نُوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) (يونس: 5)، في حين ظل العلم يبحث عن هذا الفرق حتى عرفه قبل حوالي قرنين ونيف من الزمن.
لعل المتدبر لقوله تعالى:* إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ والْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ولَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) (فاطر: 41) .. يحار كيف يتصور للسماوات أن تزول، لكن العلم الفلكي الحديث أثبت أن الكون بكل تفاصيله يدور ويتحرك بحركات دقيقة محسوبة كما سنبين في هذا الكتاب وكتاب الأرض، وأي خلل يحصل في دوران أي جزء منه حتى وإن كان صغيرا سيسبب كوارث تؤدي إلى نهاية ذلك الجزء من الكون سواء أ كان في الأرض أو في طبقات السماء. وكما بينا في كتاب المادة والطاقة أن القوى التي تحكم الكون أربعة تمتزج هنا وتفترق هناك، فإن حصل أن زالت أي من هذه القوى ستكون النتيجة انتهاء الكون، فاللّه تعالى وحده
الصفحة 4
104