كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 3)

فَفَتَقْناهُما وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) (الأنبياء: 30). إذن يذكر لنا اللّه تعالى أن أصل السماوات والأرض كانتا جزءا واحدا (رتق)، ثم فصلتا لتكونا جميع أجرام الكون ب: (الفتق) أو الانشطار، والرتق في اللغة يعني الجزء الواحد ويطلق على القماش، والفتق يعني الانفصال - انظر مختار الصحاح ولسان العرب - .
5. عظمة وشدة القوى الأربع التي تحكم الكون بإذن اللّه تعالى: فهذه القوى هي المسئولة عن بقاء الكون وزواله بزوالها، وأية كارثة تحدث فلكية أم أرضية فإن سببها يعزى لخلل حصل فيها إما جراء تلاعب بشري أو لأمر يريده اللّه تعالى. ولقد حصلت كوارث لأمم سبقت بسبب معصيتهم لأوامر اللّه تعالى، كما هو شاخص أمامنا بركان فيزوف الذي حصل قبل 2000 عام في بومبي بجنوب إيطاليا، والشاخصة جثث ضحاياه لحد اليوم تحدث عن أخبار فسادهم العظيم. ولقد تحدث القرآن الكريم عن كثير من أحوال الأمم التي كذبت رسلها فحاق بهم ما كانوا يعتدون ولَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ومِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) (النحل: 36). كل هذه العقوبات جاءت جراء تلك القوى الأربعة التي جعلها اللّه تعالى بيد سيدنا جبريل عليه السّلام فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ومِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ ومِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) (العنكبوت: 40). تأمل أخي الكريم بأسباب هذه الكوارث تجد أنه إما بريح عاصفة أو غرق أو خسف أرضي أو زلزال أو بركان أو نيزك من السماء أو عصف جراء تدمير اهتزازي أو صوتي هائل كالرنين والضوضاء الشديدة، كما ويزخر الكتاب العزيز بذكر كل أنواع القوى المدمرة في الكون «1».
ولما كان سيدنا جبريل عليه السّلام هو المسئول عن تنفيذ أوامر اللّه تعالى في هذه الأقوام فقد وصفه اللّه تعالى بأنه شديد القوى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) (النجم: 5)، والذي جاء
______________________________
(1) لمزيد من التفصيل في هذا الموضوع يراجع كتابنا (المنظار الهندسي للقرآن الكريم) الباب الثالث/ الفصل الثاني (القوى والإجهادات في القرآن الكريم، وكذلك الفصل السادس الذي يتحدث عن الاهتزازات في القرآن الكريم).

الصفحة 46