كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 3)

وَذَلِكَ أَنَّهُمَا أَتَيَاهُ، فَلَقِيَهُمَا، فَوَسَّدَ عَامِرًا وِسَادَةً، وَقَالَ: §«أَسْلِمْ، يَا عَامِرُ» .
قَالَ: عَلَى أَنْ تَجْعَلَ لِي الْوَبَرَ، وَلَكَ الْمَدَرَ؟ فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَعَلَى أَنْ تَجْعَلَنِي الْخَلِيفَةَ بَعْدَكَ، إِنْ أَنَا أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: «لَا» .
قَالَ: فَمَا الَّذِي تَجْعَلُ لِي؟ قَالَ: «أَعِنَّةَ الْخَيْلِ، تُقَاتِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
قَالَ: أَوَلَيْسَتْ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ بِيَدِي الْيَوْمَ؟ وَوَلَّى عَامِرٌ مُغْضَبًا، وَهُوَ يَقُولُ: لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلا جُرْدًا، وَرِجَالا مُرْدًا، وَلأَرْبِطَنَّ عَلَى كُلِّ نَخْلَةٍ فَرَسًا.
وَقَالَ عَامِرٌ لأَرْبَدَ: إِمَّا أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَكْفِيكَهُ، وَإِمَّا أَنْ أَقْتُلَهُ وَاكْفِنِيهِ.
قَالَ أَرْبَدُ: اكْفِنِيهِ، وَأَنَا أَقْتُلُهُ.
فَانْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَامِرٌ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً.
قَالَ: «اقْتَرِبْ» .
فَاقْتَرَبَ حَتَّى حَنَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَلَّ أَرْبَدُ سَيْفَهُ، وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ بَرِيقَهُ، فَتَعَوَّذَ مِنْهُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، تَعَالَى، فَأَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَيَبِسَتْ يَدُهُ عَلَى السَّيْفِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ.
فَلَمَّا رَأَى عَامِرٌ أَرْبَدَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا؛ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ لأَرْبَدَ: مَا مَنَعَكَ مِنْهُ؟ قَالَ: إِنِّي لَمَّا سَلَلْتُ بَعْضَ سَيْفِي؛ يَبِسَتْ يَدِي، فَوَاللَّهِ مَا قَدَرْتُ عَلَى سَلِّهِ.

الصفحة 136