كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11)} [الأعراف: آية 11].
في هذه الآية الكريمة إشكال معروف؛ لأن الله قال بصيغة الجمع: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} وهذا يتبادر منه أن المخاطبين في قوله: {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} ذرية آدم، إلا أنه رتّب عليه قوله: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ} و (ثم) تقتضي الترتيب والمهلة، فيكون الله بعد أن خلق ذرية آدم وصورها قال للملائكة: اسجدوا لآدم، وهذا خلاف الواقع؛ لأنه أمرهم بالسجود له عندما نفخ فيه الروح قبل أن يولد له شيء، كما دلّ عليه قوله في سورة الحجر: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)} [الحجر: الآيتان 28، 29] وقوله في سورة ص: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} [ص: الآيتان 71، 72] فيخطر في ذهن طالب العلم إشكال، وهو الترتيب بـ (ثم) فيقول: كيف يقول: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ} [الأعراف: آية 11] بعد تصوير ذرية آدم، وخلقها؟! وهذا خلاف الواقع، فهذا إشكال معروف في الآية، مشهور عند علماء التفسير، وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة (¬1):
أحدها: وهو الذي اختاره كبير المفسرين -محمد بن جرير الطبري وغيره- أن المراد بالجمع في {خَلَقْنَاكُمْ} و {صَوَّرْنَاكُمْ} آدم وحده، وإنما أُطلق عليه صورة الجمع لأنه لما كان أبا البشر
¬_________
(¬1) انظر: تفسير ابن جرير (12/ 317 - 323)، البغوي (2/ 150)، القرطبي (7/ 168 - 169)، ابن كثير (2/ 202)، الدر المصون (5/ 260).