كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

تتبعني، {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ} [فصلت: آية 34] لا تستوي الحسنة والسيئة. إلى غير ما ذكرنا من الآيات، وأبيات العرب التي ذكرنا، ويدل أنها هنا صلة لتوكيد الكلام: أن الله حذفها في (ص) حيث قال: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: آية 75]. واختار بعض العلماء - وهو اختيار ابن كثير (¬1)، وابن جرير (¬2) - أن الفعل مُضَمَّن كما يذهب إليه علماء البصرة، وأن (لا) على بابها. والكلام في معنى: ما أحوجك وألجأك إلى أن لا تسجد. وهذا معنى قوله: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: آية 12] أي: حين أمرتك.
وهذه الآية الكريمة من أدلة العلماء على أن صيغة (افعل) تأتي للوجوب؛ لأنه قال: {اسْجُدُواْ لآدَمَ} [الأعراف: آية 11] فلما لم يمتثل إبليس وبَّخَه على ذلك، وقال: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: آية 12] فدل على أن صيغة الأمر لا يجوز خلافها، ولما قال نبي الله موسى لأخيه: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} [الأعراف: آية 142] بعد ذلك لما ظن أنه خَالَفه قال: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: آية 93] فسمى مخالفة صيغة (افعل) معصية، فدل على أنه يراها للوجوب كما ذكرنا أدلته مراراً (¬3)، وهذا معنى قوله: {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف: آية 11].
واعلم أن العلماء (رضي الله عنهم) اختلفوا في إبليس هل هو من الملائكة أو أصله ليس من الملائكة (¬4)؟
¬_________
(¬1) تفسير ابن كثير (2/ 203).
(¬2) تفسير ابن جرير (12/ 325، 326).
(¬3) راجع ما سبق عند تفسير الآية (44) من سورة الأنعام.
(¬4) انظر: ابن جرير (1/ 502 - 508)، القرطبي (1/ 294 - 295)، ابن كثير (1/ 75)، (3/ 88 - 89)، مجموع الفتاوى (4/ 346)، البداية والنهاية (1/ 55)، أضواء البيان (4/ 119 - 121).

الصفحة 115