كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

المتناقضة، والأقوال المتكاذبة، والأحكام التي ينفي بعضها بعضاً لا يشك عاقل في أنها ليست من عند الله. وأمثال هذا كثيرة.
ونحن نضرب مثلاً بهذه المسألة فنقول: إن الأئمة (رضي الله عنهم)، أبا حنيفة، وأحمد، والشافعي - رحمهم الله - الذين سخر ابن حزم من قياساتهم هم أولى بظواهر النصوص من نفس ابن حزم. ونقول لابن حزم مثلاً: أنت قلت: إنك مع الظاهر، وقلت:
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنِّي ظَاهِرِيّ وَأَنَّنِي ... عَلَى مَا بَدَا حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ (¬1)

فهذا الإمام الشافعي الذي قال: «إن علة الربا في البر: الطعم». استدل بحديث ثابت في صحيح مسلم، وهو حديث معمر بن عبد الله (رضي الله عنه)، الثابت في صحيح مسلم، قال: كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ ... » الحديث (¬2) فالشافعي فيما سخر منه ابن حزم أقرب لظاهر نصوص الوحي من ابن حزم. وكذلك الإمام أبو حنيفة وأحمد بن حنبل -رحمهما الله تعالى- اللذان قالا: «إن علة الربا في البر: الكيل» استدلاَّ بالحديث الثابت في الصحيح: «وَكَذَلِكَ المِيزان»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر المكيلات وبين أن الربا حرام فيها قال: «وكذلِكَ المِيزان». والتحقيق: أن الموزونات مثل المكيلات، فجعل معرفة القدر علة للربا. وقوله: «وكذلك الميزان» ثابت في الصحيحين (¬3).
¬_________
(¬1) البيت في مطمح الأنفس لأبي نصر الإشبيلي صـ281، وفيات الأعيان (3/ 327)، سير أعلام النبلاء (18/ 207)، وصدره: «ألم تر».
(¬2) مسلم في المساقاة، باب: بيع الطعام بالطعام مثلاً بمثل، حديث رقم (1592)، (3/ 1214).
(¬3) البخاري في البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، حديث رقم (2201، 2202)، (4/ 399)، وأطراف حديث (2201)، في (2302، 4244، 4246،7350)، وحديث (2202)، أطرافه في (2303، 4245، 4247،7351).

ومسلم في المساقاة، باب: بيع الطعام مثلاً بمثل. حديث رقم (1593)، (3/ 1215)، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.

الصفحة 136