كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

سقيم الحديث وصحيحه، فيَكْتُبُون مِنْهُ كلّ ما رأوا من غير تمييز بين صحيحه وسقيمه.
والقصة المعروفة (¬1): زعموا أنه كان عند هارون الرشيد طبيب نصراني، وأن الطبيب النصراني قال: ليس في كتابكم شيء من الطب، وأصل العلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان. وأنه كان عند هارون الرشيد علي بن الحسين بن واقد، فقال له: جَمَع كتابُنَا الطِّبَّ في نِصْفِ آية، هي {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} لأن من المعلوم أن الطب نوعان: طب حِمْيَة، وهو تَوَقٍّ للداء قبل أن ينزل الداء. والثاني: طب علاج ومداواة بعد أن ينزل الداء. وأن من أعظم طب الحمية هو ما قال: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} لأن مَنْ خَفَّفَ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ كما قال صلى الله عليه وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» (¬2)، فتخفيف الأكل يستوجب صِحَّةَ البَدَنِ، وأنه قال له: جمع الطب كله في نصف آية؛ لأن خير الطب طب الحمية. وهذه الآية جاءت على أعظم طب الحمية. وأنه قال له: وهل يُؤْثَرُ عَنْ نبيِّكم شيء من الطب؟ قال: نعم. وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المَعِدَةُ رَأْسُ الدَّاءِ، والحِمْيَةُ أَصْلُ الدَّوَاءِ، وَعَوِّدُوا كُلَّ جِسْمْ مَا
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 192)، كشف الخفاء (2/ 280).
(¬2) الترمذي في الزهد، باب: ما جاء في كراهية كثرة الأكل. حديث رقم (2380)، (4/ 590)، وابن ماجه في الأطعمة باب الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع، حديث رقم (3349)، (2/ 1111)، وانظر: الإرواء (1983)، السلسلة الصحيحة (2265)، صحيح الترمذي (1939)، صحيح ابن ماجه (2704).

الصفحة 166