كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

وهنالك تفسيرٌ غير ظاهر قال به جماعات من علماء التفسير: أن معنى كونها خالصة للمؤمنين أنَّ الله ينعِّمهم بها في الدنيا، وينعِّمهم في الآخرة أيضاً، ولم يحسبها عليهم، ولم ينقص أجورهم بتلك اللذات والطيبات من الرزق التي أكلوها في الدنيا (¬1)، وهذا مستبعد، والقول الأول هو الذي عليه الجمهور وهو معنى الآية إن شاء الله.
وهذا معنى قوله: {هِيَ} أي: الطيبات من الرزق والزينة {لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي ويشاركهم فيها غيرهم من الكفار، لكنها يوم القيامة خالصة للمؤمنين لا يشاركهم فيها أحد، ويوضح هذا أن نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما قال الله له: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} فلما قال الله له: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} طلب الإمامة لذريته {قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي} فبين له الله أن الظالمين من ذريته غير المستقيمين المطيعين لا يعهد الله لهم بالإمامة، لأنهم لا يستحقونها حيث قال مجيباً له: {قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: آية 124] فعرف إبراهيم أَنَّ ربَّه كأنه لامه في الجملة حيث طلب الإمامة لناس منهم من لا يصلح لها، كما قال الله لإبراهيم وإسحاق: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: آية 113] ثم بعد ذلك لما أراد إبراهيم طلب الرزق خصه بالمؤمنين خوف أن يلام كالملامة الأولى وقال: {اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} ثم قيَّد وقال: {مَنْءَامَنَ مِنْهُم بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فربه قال له: هذه في الدنيا لا تحتاج إلى القيد {قَالَ وَمَن كَفَرَ} فيأكل من الدنيا أيضاً مع المؤمن {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: آية 126] وهذا معنى قوله:
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (12/ 401).

الصفحة 171