كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
المحرّمات سواء كان ذلك ظاهراً أمام الناس، أو خفية بحيث لا يطلع عليه الناس. وهذا معنى قوله: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}.
وعطف على ذلك {وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ} قال بعض العلماء: الإثم: هو كل معصية تقتصر على نفس الإنسان، والبغي: هو كل معصية يظلم بها غيره (¬1).
وقوله: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} لا يكون بغي بحق أبداً، فكل بغي بغير حق لا شك، كما قال تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} ومعلوم أن النبيين لا يُقتلون بحق أبداً، فهو كالتوكيد (¬2)، كقوله: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: آية 38] {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: آية 79].
وقال بعض العلماء: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: آية 33] كقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: آية 40] لأن من بُغي عليه ثم انتقم قد يسمى هذا بغياً، كقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} وكما سمّى الانتقام اعتداءً في قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: آية 194] سمى جزاء الاعتداء: اعتداءً، وجزاء السيئة: سيئة وإن كان الانتقام ليس سيئة وليس اعتداء.
وقوله: {وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله} أي: وحرَّم عليكم {أن تشركوا بِالله ما لم يُنْزِل به سلطاناً} على قراءة ابن كثير وأبي عمرو. {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} على قراءة الجمهور (¬3). والسلطان: الحجة الواضحة.
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (12/ 403)، القرطبي (7/ 201).
(¬2) انظر: الدر المصون (5/ 307) ومضى عند تفسير الآية (142) من سورة البقرة، (48) من سورة الأنعام.
(¬3) انظر: النشر (2/ 218)، إتحاف فضلاء البشر (1/ 407).