كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
ضَلاَلاً بَعِيداً (60)} [النساء: آية 60] فَعَجَّب نبيه كيف ادّعوا الإيمان وهم يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل!! والكفار -مع أنهم كفرة فجرة يعبدون الأصنام- إذا غيروا تشاريع الله، واتبعوا تشريع الشيطان مخالفاً لشيء شرعه الله كان ذلك كفراً جديداً زائداً على كفرهم الأول، كما صرح الله بهذا في سورة التوبة في قوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: آية 37] والمراد بالنسيء: تأخير الشهر الحرام؛ لأن النَّسْءَ في اللغة: التأخير. وربا النسأ: ربا التأخير. ونسأ الله في أجله: أخَّره وطول حياته. كانت ثلاثة من الشهور الحُرُم متوالية، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، فكانوا تطول عليهم ثلاثة أشهر متوالية لا يأكل بعضهم بعضاً، ولا يغير بعضهم على بعض، فكانوا يقولون: إنما نُنسئ الشهر الحرام ونؤخره!! فيحلون المحرم فيقاتلون فيه، ويؤخرونه إلى صفر، قال جل وعلا: {إِنَّمَا النَّسِيءُ} أي: تأخير الشهر الحرام، إحلاله وتحريم شهر آخر كان حلالاً تحليل لما حرمه الله، وتحريم لما أحله الله، قال في هذا: {زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله} ولإحلالهم ما حرم الله ازدادوا كفراً إلى كفرهم (¬1). وأول من نسأ من العرب: بنو فُقِيم من كنانة (¬2)، وكان شاعرهم يقول في شعره المشهور (¬3):
أَلسْنا النَّاسئين على مَعَدٍّ ... شُهُورَ الحِلِّ نجعلُها حَرَاما
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (14/ 243).
(¬2) انظر: السيرة لابن هشام ص56.
(¬3) لبيت لعمير بن قيس جَزْل الطّعَانِ، أحد بني فراس بن غَنْم، وهي في السيرة لابن هشام ص56، البداية والنهاية (2/ 206 - 207).