كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

إلى آخِرِ الأبياتِ المعروفةِ. فَأَسْلَمَتْ تلك الطائفةُ القليلةُ مع صالحٍ، وَبَقِيَ أكثرُهم في غايةِ الكفرِ والعتوِّ والتمردِ على اللَّهِ. وَلَمَّا أخرجَ لهم الناقةَ أمرَه اللهُ بأن يقولَ لهم: إن بئرَهم التي يشربونَ منها: نهارٌ منها للناقةِ لاَ يَشْرَبُ منها غيرُها أبدًا، والنهارُ الثاني لجميعهم يَسْقُونَ مواشيَهم وأنفسَهم وَيَدَّخِرُونَ ما شاؤوا من الماءِ، كما قال: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} [القمر: آية 28] وقال: {لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: آية 155] يَذْكُرُ المؤرخونَ أن يومَ شُرْبِ الناقةِ أنها تأتِي من بَيْنِ الْجَبَلَيْنِ فَتُدْخِلُ رَأْسَهَا في البئرِ ولا تتركُ في البئرِ قطرةً من الماءِ، ثم إنها تُفَرِّجُ فَخِذَيْهَا فيحلبونَ منها كلما شاؤوا فيملؤونَ جميعَ أوعيتِهم، ويدخرونَ من لَبَنِهَا كلما شاؤوا فَيُغْنِيهِمْ ذلك عن الماءِ (¬1)، وَلَبَنُهَا من أصفَى اللبنِ وأعذبِه وأحلاه. فلما طَالَ عليهم ذلك عَقَرُوهَا - والعياذُ بالله - كما جاء في آياتٍ قرآنيةٍ كثيرةٍ، وسببُ عَقْرِهَا يقولُ المفسرونَ والمؤرخونَ (¬2): إنه كانت فيهم عجوزٌ كافرةٌ، هي امرأةُ ذؤابِ بنِ عمرِو بنِ لبيدٍ، أو ابنِ عمرِو بنِ أسدٍ، هي من أقبحِ الناسِ وأشدِّهم كُفْرًا وَعَدَاوَةً لِصَالِحٍ، تُسَمَّى: عُنيزةَ بنتَ غُنْمٍ، وَتُكْنَى: أُمَّ غنم (¬3)، وكانت ذاتَ بناتٍ حِسَانٍ، وهي زوجُ ذؤابِ بنِ عمرٍو - قَبَّحَهَا اللَّهُ - وأنها جاءت للقبيحِ قُدارِ بنِ سالفٍ - وكان قُدارُ بنُ سالفٍ قصيرًا أَحْمَرَ، أزرقَ العينين عزيزًا في قومِه، وجاء في الحديثِ وَصْفُهُ بأنه
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (12/ 530 - 531).
(¬2) انظر: تفسير ابن جرير (12/ 531)، البداية والنهاية (1/ 135).
(¬3) في البداية والنهاية (1/ 135): «عنيزة بنت غنيم بن مجلز وتكنى: أم عثمان».

الصفحة 514