كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

من الماءِ. يقولُ المفسرونَ والمؤرخونَ (¬1):
إن مصدعَ كَمَنَ لها في أصلِ صرفٍ وَكَمَنَ قدارُ بنُ سالفٍ في صخرةٍ أخرى، فَمَرَّتْ بهما الناقةُ فرماها مصدع فانتظمَ بسهمِه عَضَلَتَهَا، ثم مرت على قدارِ بنِ سالفٍ يزعمونَ أن الخبيثةَ - المرأةَ - كَشَفَتْ له عن بنتِها الجميلةِ وَحَرَّضَتْهُ على عقرِ الناقةِ فضربَ عرقوبَها فَسَقَطَتْ، فضربَ في لُبَّتِهَا فنحرها، وأنهم اقتسموا لَحْمَهَا.
واختلفت رواياتُ المؤرخين والمفسرين في الفصيلِ (¬2)، ولا شيءَ في ذلك ثابتٌ، فمنهم مَنْ يقولُ: إن مصدعًا تَبِعَهُ فأخذه وَنَحَرَهُ معها واقتسموا لحمَه مع لَحْمِهَا. ومنهم مَنْ يقول: إنه رَغَا مَرَّاتٍ، وصار فوقَ جبلٍ، وانفتحت له صخرةٌ فدخل فيها، حتى إن قومًا ليزعمونَ أنه هو الدابةُ التي تأتِي في آخِرِ الزمانِ! وَكُلُّ ذلك قصصٌ لاَ مُعَوَّلَ عليها ولا ثبوتَ لها. واللهُ أعلمُ بقصةِ الفصيلِ؛ لأنَ القرآنَ لم يُبَيِّنْ ماذا كان مصيرُه، ولم يُبَيِّنْهُ ولم يثبت خبره بوحيٍ صحيحٍ، وإنما هي رواياتٌ يَحْكِيهَا المؤرخونَ والمفسرونَ.
فَلَمَّا عقروا الناقةَ - والعياذُ بالله - والذي تَوَلَّى عقرها قدارُ بنُ سالفٍ - قَبَّحَهُ اللهُ - هو أَشْقَى الأَوَّلِينَ، ويُزعَمُ أن أصلَه ابنُ زَنْيَةٍ، وُلِدَ على فراشِ سالفٍ، وهو خبيثٌ أحمرُ أزرقُ، عزيزٌ في قومِه عَارِمٌ، أنه لَمَّا عقروها -والقرآنُ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ عقرِهم لها- فبيَّن أن عاقرَها واحدٌ، وأسندَ عقرَها للجميعِ حيث قال: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)} [القمر: آية 29] وقال في آياتٍ كثيرةٍ إن الذي عَقَرَهَا الجميعُ كقولِه: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الأعراف:
¬_________
(¬1) انظر: تفسير ابن جرير (12/ 531) ..
(¬2) انظر: تفسير ابن جرير (12/ 533)، البداية والنهاية (1/ 135).

الصفحة 516