كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

آية 77] وكقولِه: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس: الآيات 11 - 14] إلى غيرِ ذلك من الآياتِ (¬1). وأجابَ العلماءُ عن أن اللَّهَ مرةً نَسَبَ العقرَ إلى واحدٍ وهو قولُه: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)} وتارةً نَسَبَ العقرَ إلى الجميعِ، قالوا: لأنهم كُلَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ، وأنه لم يذهب لعقرِها حتى اتَّفَقَ جميعُهم، حتى إنه لَيَسْتَأْذِنُ المرأةَ في خِدْرِهَا فتقولُ: نَعَمْ. فَوَافَقُوا جميعًا على عقرها، والمتمالئون على شيءٍ، المتفقونَ عليه، كأنهم فَعَلُوهُ كُلُّهُمْ، وإن كان المباشرُ واحدًا منهم. هكذا قَالَهُ بعضُ العلماءِ، مع أن عادةَ اللغةِ العربيةِ إسنادُ الفعلِ للناسِ وفاعلُه بعضُهم (¬2)، وهو معروفٌ في كلامِ العربِ، وكثيرٌ في القرآنِ العظيمِ، ومما يُوَضِّحُهُ كناية الإيضاحِ: قراءةُ (¬3) حمزةَ والكسائيِّ {فَإِن قَتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} (¬4) [البقرة: آية 191] لأنه لا يَصِحُّ أنه إن قتلوكم ومتم فاقتلوهم بعدَ أن قُتِلْتُمْ ومتم. هذا ليس من المعقول!
والمعنَى: فإنا قَتَلُوا بعضَكم فليقتلهم البعضُ الآخَرُ، فَأَطْلَقَ [الكلَّ وأرادَ البعضَ] (¬5). وهذا كثيرٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ ابنِ مطيعٍ يومَ حرةِ واقمٍ لَمَّا جاءت جيوشُ يزيدَ بنِ معاويةَ يرأسُها (مجرم) الذي يُسَمَّى: مسلمَ بنَ عقبةَ، وفعلوا بالمدينةِ ما فَعَلُوا، وكان الشاعرُ يقولُ (¬6):
¬_________
(¬1) راجع المصدرين السابقين.
(¬2) انظر: الأضواء (2/ 324 - 325).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (72) من سورة البقرة.
(¬4) السابق.
(¬5) في الأصل: «فأطلق البعض وأراد الكل». وهو سبق لسان.
(¬6) مضى عند تفسير الآية (72) من سورة البقرة.

الصفحة 517