كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

فَإِنْ تَقْتُلُونَا عِنْدَ حَرَّةِ وَاقِمٍ ... فَلَسْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ أَوَّلَ مَنْ قُتِلْ

فقولُه: «فإن تَقْتُلُونَا» لو كان هو ميتًا مقتولاً لَمَا كان حَيًّا يُرزَق يقولُ الشعرَ، وإنما المرادُ: فإن تقتلوا بعضَنا.
فَلَمَّا عقروا الناقةَ واقتسموا لَحْمَهَا، قيل: وكذلك فصيلها. وقيل: دَخَلَ فصيلُها في الصخرةِ فَانْفَرَجَتْ له. ويزعم بعضُ المؤرخين: أن صَالِحًا لَمَّا عَلِمَ أنهم عقروها قال لهم: أَدْرِكُوا فَصِيلَهَا لعلَّ اللهَ يكشفُ عنكم العذابَ. وأنهم لم يستطيعوا أن يُدْرِكُوهُ، فلما أَخْبَرُوا نَبِيَّهُمْ صالحًا قال لهم ما حَكَى اللهُ عنه: {فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: آية 65] يعنِي: لكم متعةُ ثلاثةِ أيامٍ وبعدَ اليومِ الثالثِ يأتيكم العذابُ الْمُسْتَأْصِلُ. قالوا له: وما علامةُ ذلك؟ يذكرُ المفسرونَ والمؤرخونَ أنه قال لهم: تُصْبِحُونَ في اليومِ الأولِ وألوانُكم مُصْفَرَّةٌ، ثم في اليومِ الثانِي تحمرُّ ألوانُكم، ثم في اليومِ الثالثِ تسودُّ ألوانُكم، ثم في اليومِ الرابعِ يأتيكم عذابُ اللهِ المستأصلُ فيهلككم اللهُ. هكذا يقولونَ.
ويزعمُ المفسرونَ والمؤرخونَ: أن عَقْرَ الناقةِ كان يومَ الأربعاءِ - وكانوا يسمونَ الأيامَ بغيرِ هذه الأسماءِ المعروفةِ - فلما كان يومُ الخميسِ أصبحت وجوهُهم مُصْفَرَّةً، وصار بعضُهم يقولُ لبعضٍ: أَلاَ ترى هذه الصفرةَ التي في وَجْهِكَ؟ فعلموا بالهلاكِ، وَأَيْقَنُوا صِدْقَ النبيِّ صالحٍ، فلما كان يومُ الجمعةِ - فيما يزعمونَ - أصبحت ألوانُهم مُحْمَرَّةً، فازدادوا يقينًا بالهلاكِ، فلما كان يومُ السبتِ أصبحت ألوانُهم مُسْوَدَّةً (¬1). وبعضُ أهلِ العلمِ يقولُ: هو اليومُ الثالثُ
¬_________
(¬1) انظر: تفسير ابن جرير (12/ 535)، البداية والنهاية (1/ 136).

الصفحة 518