كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

من عَقْرِهَا، فهلاكُهم يومُ السبتِ. وبعضُهم يقولُ: هو صبيحةُ الأحدِ. وَلَمَّا أَيْقَنُوا بالهلاكِ يزعمونَ أنهم تَحَنَّطُوا بالأشياءِ المصبِّرةِ، ولبسوا الأشياءَ التي هي كالأكفانِ مستعدينَ للهلاكِ، فلما ارْتَفَعَتْ شمسُ اليومِ بعدَ اليومِ الثالثِ جاءتهم الصيحةُ، سَمَّاهَا اللهُ في آياتٍ صيحةً، كما قال: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: آية 67] والمرادُ بهم قومُ صالحٍ، وَسَمَّاهَا هنا رجفةً فقال: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)} [الأعراف: آية 78] ولا منافاةَ بَيْنَ تسميتِها صيحةً وتسميتِها رجفةً؛ لأَنَّ الصيحةَ يصيحُ بهم الملكُ من فوقِهم نازلاً من السماءِ، فإذا صَاحَ بهم رَجَفَتْ بهم الأرضُ وَارْتَعَدَتْ من شدةِ صيحةِ الملكِ، فَفَارَقَتْ أرواحُهم أبدانَهم فلم يَبْقَ منهم دل ولا مجيبٌ والعياذُ باللهِ جل وعلا (¬1).
وهذا معنَى قولِه: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: آية 73] {آيَةً}: حالٌ مقدَّرةٌ، والعاملُ فيها معنَى الإشارةِ، أُشِيرَ إليها في حالِ كونِها آيةً. أي علامةً واضحةً على أنِّي نَبِيٌّ مُرْسَلٌ من اللَّهِ جِئْتُكُمْ. والتحقيقُ: أنها إنما كانت آيةً لانْفِلاَقِ الصخرةِ عنها، كما قال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} ثم قال: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: آية 59] خِلاَفًا لمن زَعَمَ أن كونَها آيةً: عِظَمُهَا، وأنها تشربُ البئرَ كُلَّهَا، ولا توجدُ ناقةٌ من إبلِ الدنيا تشربُ بِئْرًا كُلَّهَا وحدَها في وقتٍ واحدٍ!! وخلافًا لِمَنْ زعم أن كونَها آيةً: كثرةُ ما يُحْلَبُ منها من اللبنِ؛ لأنها يُحْلَبُ بها من اللبنِ ما يَسَعُ خلائقَ كثيرةً، كل هذا قيل به، والأظهرُ هو ما عليه جمهورُ المفسرينَ، ويدلُّ
¬_________
(¬1) انظر: البداية والنهاية (1/ 136)، الدر المصون (5/ 369)، الأضواء (2/ 325).

الصفحة 519