كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

أَيْ: وهجٌ مُؤْلِمٌ. ومنه بهذا المعنَى قولُه تعالى: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أي: منذرٌ. فالنذيرُ بمعنَى الْمُنْذِرِ. وقولُ عمرِو بنِ معدِ يكربَ الزبيديِّ في مطلعِ عَيْنِيَّتِهِ المشهورةِ (¬1):
أَمِنْ رَيْحَانَةِ الدَّاعِي السَّمِيعِ ... يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ

فقولُه: «السميع» يعنِي: الدَّاعِي الْمُسْمِع. فأطلق على المسمعِ السميعَ.
ومنه قولُه فيها أيضا (¬2):
وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ وَجِيْعُ

أي: ضَرْبٌ مُوجِعٌ. فهذا هو التحقيقُ.
{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ} فيتسببُ عن مَسِّكُمْ إياها بالسوءِ أن يأتيكَم {عَذَابٌ أَلِيمٌ} العذابُ: نكالُ اللهِ (جلَّ وعلا) الذي يأتِي به لِمَنْ يستحقُّه بسببِ ارتكابِ الذنبِ. {عَذَابٌ} من اللهِ {أَلِيمٌ} أي: مُؤْلِمٌ، وهذا معنَى قولِه: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ}.
قولُه: {تَأْكُلْ} المضارعُ مجزومٌ بجوابِ الأمرِ، ويجوزُ رَفْعُهُ، إلا أنَّ عَامَّةَ مَنْ يُعْتَدُّ به من القراءِ على الجزمِ، وأكثرُ علماءِ العربيةِ: أن المضارعَ المجزومَ في جوابِ الطلبِ أن أصلَه مجزومٌ بجملةٍ شرطيةٍ محذوفةٍ (¬3) وتقريرُ المعنَى: إن تَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أرضِ اللهِ. وهذا معنَى: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} يعنِي: إن تَتْرُكُوهَا وتذروها تأكلْ في أرضِ اللهِ.
¬_________
(¬1) البيت في الأصمعيات ص172، الشعر والشعراء لابن قتيبة ص240، (شرح الكافية الشافية) لابن مالك (2/ 1034).
(¬2) البيت في الكتاب لسيبويه (2/ 323)، الدر المصون (2/ 47).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (69) من سورة البقرة.

الصفحة 521