كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

ومعنَى قولِه: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ} أي: بأيِّ أَذًى من أنواعِ الأَذَى، من عَقْرٍ، أو نَحْرٍ، أو ضَرْبٍ، أو تَنْفِيرٍ، أو مَنْعٍ من المرعى، أو مَنْعِ نَصِيبِهَا من الماءِ {فَيَأخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ثم إن نَبِيَّ اللهِ صالحًا ذكَّر قومَه أيضًا بِنِعَمِ اللهِ قال: {فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ} [الأعراف: آية 74] أي: نِعَمَ اللهِ {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ} يعني: في الأرضِ من بعد عَادٍ، مثلما قال [هود] (¬1) لقومِه: {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: آية 69] وهذا قَرَّرْنَاهُ فيما مَضَى، أي: أَهْلَكَهُمْ وجعلكم مُسْتَخْلَفِينَ في الأرضِ بعدَهم تتمتعونَ فيها. واستدلَّ بعضُ العلماء (¬2) بهذه الآياتِ على أن الكافرَ يصدقُ عليه أنه مُنَعَّمٌ عليه في الدنيا؛ لأن نَبِيَّ اللهِ هودًا - وهو هو - قال لقومِه: {فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ} فصرَّح بأن لله عليهم نِعَمًا في الدنيا، وكذلك قال نَبِيُّ اللهِ صالحٌ: {فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ} فَبَيَّنَ كُلٌّ مِنْ هودٍ وصالحٍ أن لله في الدنيا على الكفرةِ آلاء وَنِعَمًا بما أعطاهم من الرزقِ والعافيةِ ورغدِ العيشِ والتمتعِ بلذاتِ الدنيا، هذه الآياتُ دَلَّتْ على هذا.
وقال بعضُ العلماءِ: لا نعمةَ على الكافرِ أَصْلاً؛ لأن هذا استدراجٌ، واللهُ يقولُ: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)} [الأعراف: الآيتان 182، 183] فمنزلتُه منزلةُ الطعامِ اللذيذِ الذي فيه السمُّ الفتاكُ القاتلُ، فشربُه ليس بلذيذٍ، والإنعامُ به ليس بإنعامٍ!! وظاهرُ القرآنِ أَوْلَى بالإتباعِ؛ لأَنَّ اللهَ سمَّى
¬_________
(¬1) في الأصل: نوح. وهو سبق لسان.
(¬2) انظر: القرطبي (4/ 330)، (7/ 240).

الصفحة 522