كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

هذه آلاء ونعمًا عليهم على ألسنةِ رسلِه الكرامِ (صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم)، وهذا معنَى قولِه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ}.
{وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} [الأعراف: آية 74] العربُ تقولُ: (بَوَّأَهُ يُبَوِّئه) إذا جَعَلَ له مباءة. والمباءةُ في لغةِ العربِ: المنزلُ. تقولُ العربُ: (بَوَّأَهُ يُبَوِّئُهُ) أي: اتَّخَذَ له مباءةً، أي: منزلاً. وتَبَوَّأَ الرجلُ يَتَبَوَّأ: اتخذَ مباءةً، أي: منزلاً. والمبوَّأ: هو المنزلُ (¬1). وهذا كثيرٌ في القرآنِ وفي كلامِ العربِ، فَمِنْهُ في القرآنِ: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: آية 74] أي: نَتَّخِذُ من مباءاتها ومنازلِها حيث نشاءُ: {لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} [العنكبوت: آية 58] أي: لَنَجْعَلَنَّ الغرفَ مباءاتٍ ومنازلَ لهم. وهذا في القرآنِ كثيرٌ {وَلَقَدْ بَوَّأنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: آية 93] أي: أَنْزَلْنَاهُمْ مُنْزَلاً كَرِيمًا طَيِّبًا كما هو معروفٌ، وهذا كثيرٌ في القرآنِ. ومن إطلاقِه في كلامِ العربِ قولُ عمرِو بنِ معدِ يكربَ الزبيديِّ (¬2):
كَمْ مِنْ أَخٍ لِي مَاجِدٍ ... بَوَّأْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدَا
أَيْ: جَعَلْتُ اللحدَ مباءةً ومنزلاً له عند موتِه. وهذا معروفٌ، وهذا معنَى قولِه: {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} [الأعراف: آية 74] أَيْ: جَعَلَ في الأرضِ لكم مباءاتٍ ومنازلَ متنوعةً، منها ما تَتَبَرَّدُونَ به في الصيفِ، ومنها ما تستدفئونَ به في
¬_________
(¬1) انظر: المفردات (مادة: باء) ص158، اللسان (مادة: بوأ) (2/ 283 - 284).
(¬2) البيت في الكامل (3/ 1377)، الدر المصون (3/ 379)، شواهد الكشاف ص32، وشطره الأول في هذه المصادر: «كم من أخ لي حازم». سوى شواهد الكشاف إذ فيه: «صالح».

الصفحة 523