كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

الشتاءِ، وهذا معنَى قولِه: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} هي بَيْنَ الحجازِ والشامِ من وادِي القُرَى فما حَوْلَهُ، كانت ديارُهم هناك. {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا} السهولُ: جمعُ سَهْلٍ، وهو المكانُ المنخفضُ المستوي الذي لا وَعْرَ فيه. أي: تتخذونَ من أَمْكِنَتِهَا السهلةِ التي ليست بجبالٍ قصورًا، تَبْنُونَ تلك القصورَ من سَهْلِ الأرضِ مِمَّا توقدونَ عليه من آجُرها وطينِها وتؤسسونها بالحجارةِ، وكانوا في الصيفِ يسكنونَ القصورَ المبنيةَ من الآجُرِّ والطينِ؛ لأنها أشدُّ برودةً.
{وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتًا} نحتُ الشيءِ: هو أن تنحته شيئًا فشيئًا، ومنه قيل للمِبْرَدِ: (مِنْحَتٌ) لأنه ينحتُ الشيءَ، ومعنَى نحتهم الجبالَ: أنهم يأخذونَ آلات حديد - وكانت سواعدُهم قويةً جِدًّا - فيحفرونَ في الجبلِ، حتى يجعلوا فيه أُوب البيوتِ، ثم يقطعونَ لها أبوابَها وطاقاتِها من نفسِ الجبلِ، ثم تكونُ تلك الأبوابُ والغرفُ والطاقاتُ كُلُّهَا من الجبالِ، يَنْحِتُونَهَا بالحديدِ بقوةِ أيديهم نَحْتًا، إذا اشتدَّ البردُ زمنَ الشتاءِ دَخَلُوهَا فكانت لشدةِ استدفائِها لا يحسونَ بالبردِ شيئًا، وهذا من نِعَمِ اللَّهِ عليهم.
وقرأَ هذا الحرفَ جماهيرُ القراءِ: {وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتًا} بكسرِ باءِ: (بيوت) لِمُجَانَسَةِ الياءِ. وقرأه بضمِّ الباءِ على الأصلِ: {بُيُوتًا} أبو عمرٍو، وحفصٌ عن عاصمٍ، وورشٌ عن نافعٍ. لم يَقْرَأْهُ مِنَ القراءِ السبعةِ على الأصلِ: {بُيُوتًا} إلا عاصمٌ في روايةِ حفصٍ خاصةً، ونافعٌ في روايةِ ورشٍ خاصةً، وأبو عمرٍو. وغيرُ ذلك من سائرِ القراءِ قرؤوا: {وتَنْحِتونَ الجبال بِيوتًا} (¬1) أي: تنحتونَ من
¬_________
(¬1) انظر: إتحاف فضلاء البشر (2/ 54).

الصفحة 524