كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

فيه.
وأكثرُ العلماءِ على أنه لا يمنعُ الرجل أن يبنيَ بيتًا ليستغلَّه فيؤجرَه ويأخذَ منه؛ لأنه من أنواعِ التجاراتِ وابتغاءِ فضلِ اللَّهِ - جل وعلا - وكذلك ما يحتاجُ إليه هو وَمَنْ يَعُولُهُ، فهذا من الأمورِ الضروريةِ.
وقولُه جل وعلا: {وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ... } العِثِيُّ والعثوُّ معناهما: الفسادُ. وهذه الحالُ مؤكدةٌ عاملها؛ لأن معنَى: {وَلاَ تَعْثَوْا} لا تُفْسِدُوا. فـ (مفسدون) حالٌ مؤكدةٌ لعامِلِها، والحالُ قد تؤكدُ عاملَها فيكونُ معناها هو معنَى عاملها، وإلى هذه بعينِها أشارَ ابنُ مالكٍ في الخلاصةِ بقوله (¬1):
وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا ... فِي نَحْوِ لاَ تَعْثَ فِي الأَرْضِ مُفْسِدَا

معناها: لا تُفْسِدُوا في الأرضِ في حالِ كونِكم مُفْسِدِينَ، فالحالُ مؤكدةٌ لعاملِها، والمقصودُ تأكيدُ النهيِ عن الفسادِ في الأرضِ بالإشراكِ بالله وعبادةِ غيرِه معه، وأذيةِ مَنْ أَسْلَمَ من قومِ صالحٍ، وتكذيبِ نَبِيِّ اللهِ صالحٍ، إلى غيرِ ذلك من أنواعِ الفسادِ.
{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ المُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: الآيات 75 - 79].
¬_________
(¬1) الخلاصة ص33.

الصفحة 527